للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والدليل على ذلك أن أولئك الرسلَ أنذروا أقوامَهم بحدوثها قبل أن لم تكن، ومنهم من ذكر وقتها على سبيل التعيين، والتحديد. وهكذا يفعل الله بالظالمين في كل زمان، وإن لم يكن فيهم من ينذرهم بوقوع ما يحل بهم اكتفاء بإنذار القرآن الكريم كما قال: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.

{ذَلِكَ} إشارة إلى يوم القيامة المدلول عليه بذكر الآخرة؛ أي: ذلك اليوم الذي يقع فيه عذاب الآخرة {يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ}؛ أي: يوم يجمع فيه الناس كلهم الأولون والآخرون ليحاسبوا على ما عملوا، ثم يوفوا جزاءهم بالعدل والقسطاس {وَذَلِكَ} اليوم الذي يجمع فيه الناس الذي هو يوم القيامة؛ لأن اسم الإشارة عائد إلى يوم القيامة مع ملاحظة عنوان جمع الناس له {يَوْمٌ مَشْهُودٌ} فيه؛ أي: يشهده الخلائق جميعًا من الإنس والجن، والملائكة، وغيرهم حيث (١) يشهد فيه أهل السموات والأرضين للموقف، لا يغيب عنه أحدٌ، فالمشهود هو الموقف، والشاهدون؛ أي: الحاضرون الخلائق، والمشهود فيه اليوم فاتسع فيه إجراءً للظرف مجْرَى المفعول به، بجعله مشهودًا، وإنما هو مشهود فيه، فاتسع فيه بأن وصل الفعل إلى ضميره، من غير واسطة، كما يصل إلى المفعول به، اهـ "سمين".

قال الزمخشري (٢): فإن قلت: أيُّ فائدة في أن أوثر اسمُ المفعول على فعله؟

قلت: أوثر اسم المفعول لما فيه من دلالته على ثبات معنى الجمع لليوم، وأنه لا بد أن يكون ميعادًا مضروبًا لجمع الناس له، وأنه هو الموصوف بذلك صفة لازمةً، وهو أثبت أيضًا لإسناد الجمع إلى الناس، وأنهم لا ينفكون منه، وفيه من تمكن الوصف وثباته ما ليس في الفعل. ومعنى: {مَشْهُودٌ} مشهود فيه، فاتسع في الجار والمجرور ووصل الفعل إلى الضمير إجراءً له مجرى المفعول به على السعة كقوله:

وَيَوْمًا شَهِدْنَاهُ سُلَيْمًا وَعَامِرًا


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.