للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفصَّلنا فيها الأحكام التي فيها سعادة البشر في دنياهم وآخرتهم.

{مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا} في الدنيا بالعذاب {الْقُرُونَ الْأُولَى}؛ أي: الأمم التي من قبل موسى وقومه، كقوم نوح وهود وصالح (١)، ودُرست معالم الشرائع وطُمست آثارها، واختلَّت نُظُم العالم، وفشا بينهم الشر والفساد، ورُفع الخير فاحتاج الناس إلى تشريع جديد، يُصلح ما فسد من عقائدهم وأفعالهم، بتقرير أصول في ذلك التشريع تبقى على وجه الدهور، وترتيب فروع تتبدل بتبدل العصور، واختلاف أحوال الناس حالة كون ذلك الكتاب، {بَصَائِرَ لِلنَّاسِ}؛ أي: أنوارًا لقلوب بني إسرائيل، تبصر بها الحقائق وأصول الدين، وتميز بها بين الحق والباطل، حيث كانت عمياء عن الفهم والإدراك بالكلية، {و} حالة كونه {هُدًى} للناس؛ أي: هاديًا لهم إلى الشرائع والأحكام، التي هي سبيل الله سبحانه.

قال في "إنسان العيون" (٢): التوراة أول كتاب اشتمل على الأحكام والشرائع، بخلاف ما قبلها من الكتب، فإنها لم تشتمل على ذلك، وإنما كانت مشتملة على الإيمان بالله وحده، وتوحيده، ومن ثمة قيل لها: صحف، وإطلاق الكتب عليها مجاز.

{وَ} حالة كونه {رَحْمَةً}؛ أي: ذا رحمة لهم، حيث ينال من عمل به رحمة الله تعالى وجنته، {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}؛ أي: لكي يتذكروا، ويتعظوا بما فيه فيؤمنوا به، ويشكروه عليه، ولا يكفروه، ويجيبوا داعيه إلى ما فيه خير لهم.

قال أبو سعيد الخدري: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما أهلك الله قومًا ولا قرنًا ولا أمة ولا أهل قرية بعذاب من السماء، ولا من الأرض منذ أنزل التوراة على موسى، غير القرية التي مُسخت قردة، ألم تر إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} ".


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.