للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكل نبي يبعث إلى قوم فهو صلاحهم، فالإضافة في إصلاحها كإضافة مكر الليل. قال ابن عباس رضي الله عنهما (١): كانت الأرض قبل أن يبعث الله شعيبا رسولا تعمل فيها المعاصي، وتستحل فيها المحارم، وتسفك فيها الدماء، فذلك فسادها، فلما بعث الله شعيبا، ودعاهم إلى الله صلحت الأرض؛ لأن بعثة كل نبي إلى قومه فهو صلاحهم.

وحاصل المعنى: أنه (٢) سبحانه وتعالى أصلح حال البشر بنظام الفطرة، ومكنهم في الأرض بما آتاهم من القوى العقلية وقوة الجوارح، وبما أودع في خلق الأرض من سنن حكيمة وقوانين مستقيمة، وبما بعث به الرسل من المكملات لنظام الفطرة من آدات وأخلاق، ونظم في المعاملات والاجتماع، وبما أرشد إليه المصلحين من العلماء والحكماء الذين يأمرون بالقسط، ويهدون الناس إلى ما فيه صلاحهم في دينهم، والعاملين من الزراع والصناع والتجار أهل الأمانة والاستقامة الذين ينفعون الناس في دنياهم.

فعليكم أن لا تفسدوا فيها ببغي ولا عدوان على الأنفس والأعراض والأخلاق بارتكاب الإثم والفواحش، ولا تفسدوا فيها بالفوضى وعدم النظام، وبث الخرافات والجهالات التي تقوض نظم المجتمع، وقد كانوا من المفسدين للدين والدنيا كما يستفاد من هذه الآية وما بعدها {ذلِكُمْ} الذي أمرتكم به من الإيمان بالله، ووفاء الكيل والميزان، وترك الظلم والبخس {خَيْرٌ لَكُمْ} مما أنتم عليه من الكفر والمعاصي وظلم الناس في دينكم ودنياكم، فإن ربكم لا يأمر إلا بالنافع، ولا ينهى إلا عن الضار، ولأن الناس إذا علموا منكم الوفاء والصدق والأمانة .. رغبوا في المعاملات معكم، فكثرتم أموالكم {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ أي: مصدقين لي في قولي هذا؛ أي: وإنما يكون ذلك خيرا لكم إن كنتم مؤمنين بوحدانية الله وبرسوله، وبما جاءكم به من شرع وهدى، فالإيمان يقتضي الامتثال والعمل بما جاء به الرسول من عند الله، وإن خالف النفس


(١) القرطبي.
(٢) المراغي.