{الرُّشْدِ} - بضم وسكون - الصلاح في النظر، وبفتحتين الاستقامة في الدين، وقرأ أبو عبد الرحمن {الرشاد} وهي مصادر كالسقم والسقم والسقام، وقرأ ابن أبي عبلة:{لا يتخذوها ويتخذوها} على تأنيث السبيل، والسبيل تذكر وتؤنث قال تعالى:{قُلْ هذِهِ سَبِيلِي} ولما نفى عنهم الإيمان وهو من أفعال القلب، استعار للرشد والغي سبيلين، فذكر أنّهم تاركوا سبيل الرشد، سالكوا سبيل الغي.
ثم علل ما سلف من صرفهم عن النظر في الآيات، وعدم اعتبارهم بها فقال:{ذلِكَ}؛ أي: تكبرهم وعدم إيمانهم بشيء من الآيات، وإعراضهم عن سبيل الرشد، وإقبالهم التام إلى سبيل الغي، حاصل {بـ} سبب {أنهم كذبوا بآياتنا} الدالة على صدق رسلنا، وباهر قدرتنا {وَ} بسبب أنّهم {كانُوا عَنْها غافِلِينَ}؛ أي: كانوا معرضين عن النظر والتفكر فيها؛ أي: ذلك حاصل بسبب تكذيبهم بالآيات وغفلتهم عنها.
أي: إننا (١) عاقبناهم على تكذيبهم بالآيات والغفلة عن النظر إلى الأدلة الموصلة إلى الحق، فيما أمرنا به ونهينا عنه بالختم على قلوبهم والغشاوة على أعينهم، حتى لا يجد الحق منفذا في الوصول إليها.
والخلاصة: أنّ الله سبحانه وتعالى لم يخلق هؤلاء مطبوعين على الغي والضلال طبعا، ولم يجبرهم إجبارا ويكرههم عليه إكراها، بل كان ذلك بكسبهم واختيارهم، إذ هم آثروا التكذيب بالآيات، والصد عن السبيل الموصلة إلى الرشاد، وغفلوا عن النظر في أدلتها لشغلهم بأهوائهم، واتباع شهواتهم، وبذا لجوا في الطغيان، وتمادوا في العصيان، واحتقروا ما سوى ذلك، مما يهدي عقولهم إلى صواب الحق وسلوك طريقه، وأمثال هؤلاء هم الذين عناهم الله تعالى بقوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩)}.