للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي الآية: دليل على أنه لا بد أن يكون ذلك نكاحًا شرعيًّا مقصودًا لذاته، لا نكاحًا غير مقصود لذاته، بل حيلة للتحليل وذريعة إلى ردها إلى الزوج الأول، فإن ذلك حرام للأدلة الواردة في ذمه وذم فاعله، وأنه التيس المستعار الذي لعنه الشارع، ولعن من اتخذه لذلك.

واعلم: أن مذهب جمهور السلف والخلف أن المطلقة ثلاثًا لا تحل لذلك المطلق إلا بخمس شرائط: تعتد منه، وتعقد للثاني ويطؤها، ثم يطلقها، ثم تعتد منه.

والحكمة في تشريع التحليل (١): الردع عن المسارعة إلى الطلاق، وعن العود إلى المطلقة ثلاثًا والرغبة فيها {فَإِنْ طَلَّقَهَا} الزوج الثاني طلاقًا بائنًا، وانقضت عدتها منه {فَلَا جُنَاحَ}؛ أي: فلا إثم ولا حرج {عَلَيْهِمَا}؛ أي: على الزوج الأول والمرأة {أَنْ يَتَرَاجَعَا}؛ أي: أن يرجع كل من المرأة والزوج الأول إلى الآخر بنكاح جديد ومهر {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}؛ أي: حقوق الزوجية الواجبة لكل منهما على الآخر، وأما إذا لم يحصل ظن ذلك بأن يعلما أو أحدهما عدم الإقامة لحدود الله، أو تردد أو أحدهما ولم يحصل لهما الظن .. فلا يجوز الدخول في هذا النكاح؛ لأنه مظنة لمعصية الله، والوقوع فيما حرمه على الزوجين.

وأجمع أهل العلم (٢) على أن الحر إذا طلق زوجته ثلاثًا، ثم انقضت عدتها، ونكحت زوجًا آخر ودخل بها، ثم فارقها وانقضت عدتها، ثم نكحها الزوج الأول .. أنها تكون عنده على ثلاث تطليقات.

{وَتِلْكَ} الأحكام المذكورة من النكاح وغيره {حُدُودُ اللَّهِ}؛ أي: أحكام شرعه {يُبَيِّنُهَا} وقرىء {نبينها} بالنون على طريق الالتفات؛ أي: يوضحها {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أنها من الله ويصدقون بها وخص الذين يعلمون مع عموم الدعوة للعالم وغيره ووجوب التبليغ لكل فرد؛ لأنهم المنتفعون بالبيان المذكور، أما من


(١) أبو السعود.
(٢) الشوكاني.