للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قبله، أي: لقد سمع قول الذين قالوا {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {عَهِدَ إِلَيْنَا}؛ أي: أمرنا في التوراة وأوصانا {أَلَّا نُؤْمِنَ}؛ أي: بأن لا نصدق {لِرَسُولٍ}؛ أي: رسول كان في دعواه الرسالة {حَتَّى يَأتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأكُلُهُ النَّارُ}؛ أي: حتى يأتينا بهذه المعجزة الخاصة التي كانت لأنبياء بني إسرائيل، وهي أن يقرب بقربان فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار سماوية، فتأكله، أي: تحرقه، والقربان كل ما يتقرب به العبد إلى الله عَزَّ وَجَلَّ من أعمال البر من نسك، وصدقة، وذبح، وكل عمل صالح. وقرأ عيسى بن عمر {بقربان} بضم الراء قال ابن عطية: إتباعًا لضمة القاف، وليس بلغة، لأنه ليس في الكلام فعلان بضم الفاء والعين.

وكانت (١) القرابين، والغنائم لا تحل لبني إسرائيل، وكانوا إذا قربوا قربانًا، أو غنموا غنيمة جمعوا ذلك، وجاءت نار بيضاء من السماء، لا دخان لها، ولها دوي فتأكل ذلك القربان، أو الغنيمة، وتحرقه فيكون ذلك دليلًا، وعلامة على القبول، وإذا لم يقبل بقي على حاله، ولم تنزل نار.

والمعنى: لن نؤمن لك يا محمَّد حتى تأتينا بنار تأكل القربان، كما كانت في زمن الأنبياء الأول، فإن جئتنا بها صدقناك في رسالتك.

قال ابن عباس (٢): نزلت هذه الآية في حق كعب بن الأشرف، وكعب بن أسد، ومالك بن الصيف، ووهب بن يهوذ، وزيد بن التابوت، وفنحاص بن عازوراء، وحييّ بن أخطب، وغيرهم أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا يا محمَّد: تزعم أنك رسول الله، وأنه تعالى أنزل عليك الكتاب، وقد عهد الله إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار، ويكون لها دوي خفيف تنزل من السماء، فإن جئتنا بهذا صدقناك فنزلت الآية، لكن دعواهم هذا العهد من مفترياتهم وأباطيلهم، وأكل النار للقربان لم يوجب الإيمان إلا لكونه معجزةً فهوَ وسائر المعجزات سواء، وما مقصدهم من تلك المفترَياتِ إلا عدمَ الإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لم يأت بما قالوه، ولو أتى به لآمنوا فرد الله عليهم بقوله:


(١) الخازن.
(٢) المراح.