للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت (١): لِمَ عطف هنا، وترك العطف فيما سبق؟

قلت: لأنّ الذين استضعفوا مرَّ أولًا كلامهم، فجيء بالجواب محذوف العاطف على طريقة الاستئناف، ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين، فعطف على كلامهم الأول، اهـ "كشاف". أي: قال الذين استضعفوا {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} ردًا لما أجابوا به عليهم، ودفعًا لما نسبوه إليهم من صدهم لأنفسهم: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} إضراب على إضرابهم، وإبطال له؛ أي: لم يكن إجرامنا الصاد لنا، بل مكركم لنا ليلًا ونهارًا هو الصاد لنا، والمكر (٢): صرف الغير عما يقصده بحيلة؛ أي: بل صدّنا مكركم بنا في الليل والنهار، وحملكم إيانا على الشرك والأوزار، فحذف المضاف إليه، وأقيم الظرف مقامه اتساعًا، يعني: في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به، أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين مجازًا.

والمعنى: أنَّ المستكبرين لما أنكروا أن يكونوا السبب، وأثبتوا أن ذلك باختيارهم .. كر عليهم المستضعفون بقولهم: بل مكر الليل والنهار، فأبطلوا إضرابهم بإضرابهم، كأنهم قالوا: بل من جهة مكركم لنا ليلًا ونهارًا، أو حملكم إيانا على الشرك، واتخاذ الأنداد، اهـ "عمادي".

وقرأ قتادة ويحيى بن يعمر (٣): {بل مكرٌ} بالتنوين، {الليلَ والنهارَ} بالنصب على الظرفية، والتقدير: بل مكر كائن في الليل والنهار، وقرأ سعيد بن جبير بن محمد وأبو رزين وابن يعمر أيضًا: {مكرٌّ} بفتح الكاف وتشديد الراء مضافًا مرفوعًا بمعنى: الكرور من كر يكر إذا جاء وذهب، ومعناه: كرور الليل والنهار واختلافهما، ومقصودهم الإحالة على طول الأمل، والاغترار بالأيام مع أمر هؤلاء الرؤساء بالكفر بالله تعالى، وقرأ ابن جبير أيضًا وطلحة وراشد هذا من التابعين ممن صحح المصاحف بأمر الحجاج: كذلك، إلا أنهم نصبوا الراء على الظرف، وناصبه فعل مضمر؛ أي: صددتمونا مكر الليل والنهار؛ أي: في مكرهما، ومعناه: دائمًا.

وقوله: {إِذْ تَأْمُرُونَنَا} ظرف للمكر؛ أي: بل صدَّنا مكركم الدائم في الليل


(١) الكشاف.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.