للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للأبدان، فإنَّ أغذية النفوس، وأدويتها: هي الأعمال الشرعية، والأخلاق المرضية، فيغيِّرها الشارع على حسب تغيُّر مصالحها، فكما أنَّ الشَّهْدَ يكون دواءً للبدن في وقتٍ، ثمّ قد يكون داءً في وقتٍ آخر، كذلك الأعمال قد تكون مصلحةً في وقت، ومفسدة في وقت آخر، وخلاصة (١) المعنى: ما نغير حكم آيةٍ، أو نُنْسِيْكَهُ، إلّا أتينا بما هو خيرٌ منه لمصلحة العباد بكثرة الثواب، أو بمثله فيه.

قال الأستاذ الإمام: والمعنى الصحيح الذي يَلْتَئِمُ مع السياق: أنَّ الآية هنا ما يؤيّد الله تعالى به الأنبياء، من الدلائل على نبوتهم؛ أي: ما ننسخ من آية نقيمها دليلًا على نبوّة نبيّ من الأنبياء؛ أي: نزيلها، ونترك تأييد نبيٍّ آخر بها، أو ننسها الناس؛ لطول العهد بمن جاء بها، فإنَّا بما لنا من القدرة الكاملة، والتصرّف في الملك؛ نأت بخير منها في قوّة الإقناع، وإثبات النبوة، أو بمثلها في ذلك، ومن كان هذا شأنه في قدرته، وسعة ملكه، فلا يتقيَّدُ بآية مخصوصة يمنحها جميع أنبيائه. اهـ. وقد سبقه إلى مثله محيي الدين ابن العربي في "تفسيره". وقرأ الجمهور (٢) {مَا نَنْسَخْ} من نسخ الثلاثي بمعنى: أزال. وقرأت طائفة، وابن عامر من السبعة {ما نُنسِخ} بضمّ النون الأولى من أنسخ الرباعي، وهو بمعنى: نسخ الثلاثي.

وقرأ عُمر وابن عباس، والنخعيُّ، ومجاهد، وعطاء، وعبيد بن عمير، ومن السبعة ابن كثير، وأبو عمرو {أو نَنْسَأْهَا} بفتح نون المضارعة والسين، وسكون الهمزة. وقرأ طائفة كذلك، إلّا أنّه بغير همز، وذكر أبو عبيد البكريُّ في كتاب "اللَّالي" ذلك، عن سعد بن أبي وقاص، وأراه وَهِمَ، وكذا قال ابن عطية، قال: وقرأ سعد بن أبي وقاص: {تَنْسَاها} بالتاء المفتوحة وسكون النون وفتح السين من غير همز، وهي قراءة الحسن، وابن يعمر، وقرأت فرقة كذلك، إلّا أنهم همَّزوا. وقرأ أبو حيوة كذلك، إلّا أنّه ضمَّ التاء. وقرأ سعيدٌ كذلك، إلّا أنه بغير همز، وقرأ باقي السبعة {نُنْسِها} بضمّ النون وكسر السين من غير همزت، وقرأ


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.