أيها الناس جميعا {بِاللَّهِ} الواحد في ربوبيته وألوهيته، الذي يحيي كل ما تحله الحياة، ويميت كل ما يعرض له الموت بعد الحياة، وهذا أمر مشاهد كل يوم {وَ} آمنوا بـ {رَسُولِهِ} النبي الأمي الذي بعثه في الأميين رسولا إلى الخلق أجمعين يعلمهم الكتاب، والحكمة، ويطهرهم من خرافات الشرك والجهل، والتفرق والتعادي، ليكونوا بهدايته أمة واحدة، يتحقق بها الإخاء البشري العام، وقد بشر
بهذا النبي والأنبياء صلوات الله عليهم؛ لأنّه المتمم لما بعثوا به من هداية الناس، قال الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل: فآمنوا بالله وبي، بعد قوله:{إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}؟
قلت: عدل عن المضمر إلى الاسم الظاهر لتجري عليه الصفات التي أجريت عليه، ولما في طريقه الالتفات من البلاغة، وليعلم أنّ الذي يجب الإيمان به واتباعه هو هذا الشخص المستقل بأنّه النبي الأمي، الذي يؤمن بالله وكلماته كائنا من كان أنا أو غيري، إظهارا للنصفة {الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ}؛ أي: يؤمن يتوحيد الله وبكلماته التشريعية، التي أنزلها لهداية خلقه على ألسنة رسله، وهي مظهر علمه ورحمته، والمراد بها القرآن وسائر الكتب السماوية، وبكلماته التكوينية التي هي مظهر إرادته وقدرته وحكمته، وقرأ الأعمش:{الذي يؤمن بالله وآياته} بدل {كَلِماتِهِ}. وبعد أن أمرهم سبحانه بالإيمان أمرهم بالإسلام فقال:{وَاتَّبِعُوهُ}؛ أي: واتبعوا ذلك النبي الأمي، واسلكوا طريقه، واقتفوا أثره في كل ما يأتي ويذر من أمر الدين {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}؛ أي: رجاء اهتدائكم بالإيمان وباتباعه إلى ما فيه سعادتكم في الدنيا والآخرة، وتلك هي الثمرة التي تجنى منهما، فما آمن قوم بنبي ... إلا كانوا بعد الإيمان به خيرا مما كانوا قبله من العزة والكرامة في دنياهم، وسعادتهم في آخرتهم، بنيل رضوان ربهم، والحظوة بالقرب منه.
وليس من التشريع الذي يجب فيه امتثال الأمر واجتناب النهي ما لا تعلق له بحق الله ولا حق خلقه، من جلب مصلحة أو دفع مفسدة، كمسائل العادات والزراعات والصناعات والعلوم، والفنون المبنية على التجارب، وما جاء فيها من أمر ونهي فهو إرشاد لا تشريع، وقد ظن بعض الصحابة أنّ إنكار النبي صلى الله عليه وسلّم لبعض