للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مجمعًا عليه، بحيث لا يتخلف عنه واحد منكم، وأرموا عن قوس واحدة، ولا تدعوا شيئًا من كيدكم إلا جئتم به {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا}؛ أي: مصطفين في الموعد ومجتمعين، ليكون أشد لهيبتكم، وأنظم لأمركم، فجاؤوا في سبعين صفًا، كل صف ألف، وألقوا ما في أيديهم دفعةً واحدةً، ليبهروا الأبصار، وتعظم هيبتهم في هذا المشهد الحافل، والصف: أن يجعل الشيء على خط مستوٍ، كالناس والأشجار ونحو ذلك، وقد يجعل بمعنى الصاف.

وقرأ الجمهور (١): {فَأَجْمِعُوا} بقطع الهمزة وكسر الميم، من أجمع رباعيًا, أي: اعزموا واجعلوه مجمعًا عليه، حتى لا تختلفوا, ولا يتخلف واحد منكم عن المسألة المجمع عليها، وقرأ الزهري، وابن محيصن، وأبو عمرو، ويعقوب في روايةٍ، وأبو حاتم: بوصل الألف وفتح الميم موافقاً لقوله: {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} وتقدم الكلام في جمع وأجمع في سورة يونس، في قصة نوح - عليه السلام -.

وقرأ شبل بن عباد (٢)، وابن كثير في رواية شبل عنه: {ثم ايتوا} بكسر الميم وإبدال الهمزة ياءً تخفيفًا، قال أبو علي: وهذا غلط ولا وجه لكسر الميم من {ثُمَّ} وقال صاحب "اللوامح" وذلك لالتقاء الساكنين، كما كانت الفتحة في العامة كذلك.

{وَقَدْ أَفْلَحَ} وفاز وظفر {الْيَوْمَ} بالمطلوب {مَنِ اسْتَعْلَى}؛ أي: من غلب منا ونال علو المرتبة بين الناس، أما نحن فقد وُعدنا بالعطاء الجزيل، والقرب من الملك {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢)} وأما هو فسينال الرياسة، وما مقصدهم من ذلك إلا تشديد العزائم، وحفز الهمم، ليبذلوا أقصى الجهد للفوز، والفلج بالمطلوب.

والفلاح (٣): الظفر وإدراك البغية، والاستعلاء: قد يكون طلب العلو


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.