حفاة عراة غلفًا، ولا منافاة بين هذه الآية وبين قوله في آية أخرى:{وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}؛ لأن المراد: لا يكلمهم تكليم إكرام ورضاء. {وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ} وأعطيناكم في الدنيا من الأهل والأولاد والأموال {وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ}؛ أي: في الدنيا، وما نرى معكم شيئًا منه؛ أي: إن ما كان شاغلًا لكم عن الإيمان بالرسل، والاهتداء بما جاءوا به من الأهالي والأولاد والأموال والخدم والحشم والأثاث والرياشي لا ينفعكم اليوم، كما كنتم تتوهمون، فهو لم يغن عنكم شيئًا، ولم يمكنكم الافتداء به أو ببعضه من عذاب الآخرة. {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ}؛ أي: وما رأينا وأبصرنا معكم {شُفَعَاءَكُمُ} من الملائكة والصالحين من البشر، ولا تماثيلهم، ولا قبورهم معكم {الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} وظننتم {أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} مع الله، وقد زعمتم في الدنيا أنهم شركاء لله، تدعونهم ليشفعوا لكم عنده، ويقربونكم إليه زلفى بتأثيرهم في إرادته، وحملهم إياه على ما لم تتعلق به إرادته في الأزل. وفي هذه الجملة والتي قبلها هدم لقاعدتين من قواعد الوثنية، وهما: الفداء، والشفاعة.
وعزتي وجلالي {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}؛ أي: لقد انقطع اليوم ما كان بينكم أنتم وشركائكم في الدنيا، من صلات النسب والملك والولاء والصداقة {و} لقد {ضَلَّ} وغاب {عَنْكُمْ} أيها الظالمون {مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} وتظنون في الدنيا من شفاعة الشفعاء، وتقريب الأولياء، وأوهام الفداء، وقد علمتم الآن بطلان غروركم واعتمادكم على غيركم.
والخلاصة: أن آمالكم قد خابت في كل ما تزعمون وتتوهمون، فلا فداء ولا شفاعة، ولا ما يغنى عنكم من عذاب الله من شيء.
وقرأ جمهور السبعة (١): {بَيْنَكُمْ}: بالرفع على أنه اتسع في الظرف، وأسند الفعل إليه، فصار اسمًا، كما استعملوه اسمًا في قوله:{وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ}، وكما حكى سيبويه: هو أحمر بين العينين، ورجحه الفارسي، أو على