للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعنى الآية: أي (١) يا أيها المشركون من قريش وغيرهم، اتقوا الله وخافوا أن يحل بكم سخطه، في يوم لا يغني والد عن ولده، ولا مولود هو مغن عن والده شيئًا؛ لأن الأمور كلها بيد من لا يغالب، ومن لا تنفع عنده الشفاعة، ولا الوسائل التي تنفع في الدنيا، بل لا تجدي عنده إلا وسيلة واحدة، هي العمل الصالح الذي قدمه المرء في حياته الأولى.

ثم أكد ما سلف بقوله: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى بالحشر والجنة والنار والثواب والعقاب، والوعد: يكون في الخير والشر، بخلاف الوعيد، فإنه في الشر خاصة، كما سيأتي. {حَقٌّ}؛ أي: ثابت كائن لا محالة، ولا خلف فيه؛ أي: اعلموا أن مجيء هذا اليوم حق, لأن الله سبحانه قد وعد به، ولا خلف لوعده.

ثم حذرهم من شيئين فقال:

١ - {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} عن الآخرة، والمراد بالحياة الدنيا: زينتها وزخارفها وآمالها؛ أي: إذا عرفتم ما ذكروا وأردتم بيان ما هو النصيحة لكم .. فأقول لكم: لا تخدعنكم زينة هذه الحياة القريبة الزوال ولذاتها عن الحياة الأخروية الأبدية، فتميلوا إليها، وتدعوا الاستعداد لما فيه خلاصكم من عقاب الله في ذلك اليوم، وفي "التأويلات النجمية": فلا تغرنكم بسلامتكم في الحال، وعن قريبٍ ستندمون في المآل. انتهى.

٢ - {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ}؛ أي: لا يخدعنكم {بِاللَّهِ} بإطماعكم في سعة رحمة الله وعظيم حلمه وعفوه الشيطان {الْغَرُورُ}؛ أي: المبالغ في الغرور والخداع، بأن يرجيكم التوبة والمغفرة، فيجسركم على ارتكاب المعاصي، وينسيكم الرجوع إلى القبور، ويحملكم على الغفلة عن أحوال القيامة وأهوالها، فلا تتخذوا لها زادًا.

قال في "كشف الأسرار" (٢): الغرة بالله: حسن الظن به مع سوء العمل، وفي الخبر: "الكيس من وإن نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.