وجملة قوله:{مَا}: نافية {أَتَاهُمْ} وجاءهم {مِنْ}: زائدة {نَذِيرٍ} مخوف {مِنْ قَبْلِكَ}؛ أي: من قبل إنذارك، أو من قبل زمانك، جملة منفية في محل نصب صفة لـ {قَوْمًا}؛ أي: أنزله إليك لتنذر عذاب الله قومًا ما جاءهم منذر من قبلك {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} بإنذارك إياهم؛ أي: رجاء أن يهتدوا أو كي يهتدوا، والترجي معتبر من جهته - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: لتنذرهم (١) راجيًا لاهتدائهم إلى التوحيد والإخلاص.
وفي "الخازن": المراد بالقوم العرب؛ لأنهم كانوا أمةً لم يأتهم نذير قبل محمد - صلى الله عليه وسلم -، إذ كانت قريش أهل الفطرة، وأضل الناس وأحوجهم إلى الهداية، لكونهم أمةً أمية، وقال ابن عباس: يعني أهل الفترة، الذين كانوا بين عيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم -. اهـ.
وفي الحديث:"ليس بيني وبينه نبي"؛ أي: ليس بيني وبين عيسى نبي من العرب، أما إسماعيل عليه السلام، فكان نبيًا قبل عيسى، مبعوثًا إلى قومه خاصةً، وانقطعت نبوته بموته، وأما خالد بن سنان، فكان نبيًا بعد عيسى، ولكنه أضاعه قومه، فلم يعش إلى أن يبلغ دعوته، فعلم من هذا أن أهل الفطرة ألزمتهم الحجة العقلية, لأنهم كانوا عقلاء قادرين على الاستدلال، لكنهم لم تلزمم الحجة الرسالية.
وعلم من قوله:{لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} أن المقصود من البعثة تعريف طريق الحق، وكل يهتدي بقدر استعداده، إلا أن لا يكون له استعداد أصلًا، كالمصرين، فإنهم لن يقبلوا التربية والتعريف، وكذا من كان على جبلتهم إلى يوم القيامة.
ألا ترى أن أبا جهل رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ووصل إليه، لكن لما رآه بعين الاحتقار، وأنه يتيم أبي طالب، لا بعين التعظيم، وأنه رسول الله، ووصل إليه