ومنها: الشماتة في قوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} وهي فن من فنون البديع، لم يذكره أحد من الذين كتبوا في فنون البديع، ما عدا ابن أبي الإصبع، وهي: أعني: الشماتة. ذكر ما أصاب عدوك من آفات ومحن جزاء ما اقترفت يداه مع المبالغة في تصوير غمائه، وما يتخبط به من أهوال، وإظهار إغتباطك بما أصابه شماتةً به وتشفيًا منه، وفي هذه الآية من ضرورب التشفي والشماتة ما لا يخفى، وهو شائع في القرآن وفي الشعر، ومنه قصيدة فتح الفتوح لأبي تمام.
ومنها: الاستبعاد المستفاد بـ {ثُمَّ} في قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} لأن الإعراض عن الآيات مع غاية وضوحها وإشراقها، مستبعد في حكم العاقل الراجح.
ومنها: التعريض في قوله: {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} فإنه تعريض للكفار بأنهم في شك من لقائه، إذ لو لم يكن لهم فيه شك .. لآمنوا بالقرآن.
ومنها: التأكيد والتخصيص المستفاد من كلمة {هُوَ} في قوله: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} لأن المعنى: إن ذلك الفصل يوم القيامة، ليس إلا إليه وحده، لا يقدر عليه أحد سواه، ولا يفوض إلى من عداه، كما سبق.
ومنها: الاستفهامات للتقريع والتوبيخ في قوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} وفي قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ} وقوله: {أَفَلَا يَسْمَعُونَ} وقوله: {أَفَلَا يُبْصِرُونَ} لأن المقصود في الكل الإنكار والتوبيخ.
ومنها: المناسبة المعنوية بين أول الآية وآخرها في قوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ} وهي؛ أي: المناسبة المعنوية: أن يبتدىء المتكلم بمعنى، ثم يتمم كلامه بما يناسبه معنى دون لفظ، وهذه الآية قال في أولها:{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} وهي موعظة سمعية، لكونهم لم ينظروا إلى القرون الهالكة، وإنما سمعوا بها، فناسب أن يأتي بعدها بقوله:{أَفَلَا يَسْمَعُونَ}. وفي قوله:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ} بدأ هذه الآية بهذه الكلمة، وهي موعظة مرئية، فناسب