الخندق فيرمى بالحجارة، ومنهم من يقتحمه بفرسه فيهلك.
ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر من غطفان، أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعلمه أنه أسلم، وأن قومه لم يعلموا بذلك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة" فأتى قريظة وقال لهم: لا تحاربوا مع قريش وغطفان، إلا إذا أخذتم منهم رهنًا من أشرافهم، يكونون بأيديكم تقية لكم، على أن يقاتلوا معكم محمدًا, لأنهم رجعوا وسئموا حربه، وإنكم وحدكم لا تقدرون عليه، وذهب إلى قريش وإلى غطفان، فقال لهم: إن اليهود يريدون أن يأخذوا منكم رهنًا، يدفعوها لمحمد فيضرب أعناقها، ويتحدون معه على قتالكم، لأنهم ندموا على ما فعلوا من نقض العهد، وتابوا، وهذا هو المخرج الذي اتفقوا عليه.
وحينئذ تخاذل اليهود والعرب، دب بينهم ودبيب الفشل، ومما زاد في فشلهم أن بعث الله عليهم ريحًا في ليلةٍ شاتيةٍ شديدة البرد، فجعلت تكفىء قدورهم، وتطرح آنيتهم، وقد قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلةً يصلي على التل الذي عليه مسجد الفتح، ثم يلتفت ويقول: "هل من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم" فعل ذلك ثلاث مراتٍ، فلم يقم رجل واحد من شدة الخوف، وشدة الجوع، وشدة البرد، فدعا حذيفة بن اليمان، وقال: "ألم تسمع كلامي منذ الليلة" قال حذيفة: فقلت: يا رسول الله منعني أن أجيبك الضر والقر، قال: "انطلق حتى تدخل في القوم، فتسمع كلامهم، وتأتيني بخبرهم، اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، حتى ترده إلى، انطلق ولا تحدث شيئًا حتى تأتيني"، فانطلق حذيفة بسلاحه، ورفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده يقول: "يا صريخ المكروبين، ويا مجيب المضطرين، اكشف همي وغمي وكربي، فقد ترى حالي وحال أصحابي"، فنزل جبريل وقال: إن الله قد سمع دعوتك وكفاك هول عدوك، فخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه، وبسط يديه وأرخى عينيه وهو يقول: "شكرًا شكرًا كما رحمتني ورحمت أصحابي"، وذهب حذيفة إلى القوم، فسمع أبا سفيان يقول: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف