والمحاجُّة: المجادلة ودعوى الحق، وإقامة الحجة، على ذلك من كل واحد من الجانبين.
البلاغة
وقد تضمّنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى}؛ أي: قالت اليهود: كونوا هودًا، وقالت النصارى: كونوا نصارى، وليس المعنى: إنّ الفريقين قالوا ذلك؛ لأنّ كل فريق يعدُّ دين الآخر باطلًا.
ومنها: جعل الشقاق ظرفًا لهُمْ في قوله: {فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ}؛ مبالغةً في الإخبار عن استيلائه عليهم، فإنّه أبلغ من قولك: هم مشاقون.
ومنها: تنكير شقاق؛ دلالةً على امتناع وفاق بينهم أصلًا.
ومنها: التذييل بقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} لأنّه تذييلٌ لما سبق من الوعد، وتأكيدٌ له.
ومنها: الإيجاز بالحذف في {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}؛ لأنّ الأصل: فسيكفيك شرَّهم، وفيه تصدير الفعل بالسين دون سوف؛ إشعارًا بأنَّ ظهوره عليهم واقعٌ في زمن قريبٍ.
ومنها: التعجيز والتبكيت في قوله: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ}؛ لأنّ المراد منه إلزام الخصم، وإلجاءَه إلى الاعتراف بالحق بإرخاء عِنانه، وسدّ طرق المجادلة عليه؛ لأنّه ليس لله سبحانه، وكذا لدين الإِسلام مثلٌ، فيؤمنون به.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {صِبْغَةَ اللَّهِ} حيث شبَّه الدين الإِسلاميَّ بالصبغة، وحذف المشبَّه، وأبقى المشبه به بجامع أنَّ في كل منهما حليةً وزينةً، لِمَا قام به، وفيه أيضًا: فنُّ المشاكلة: وهو ذكر الشيء بلفظ غيره، لوقوع ذلك الشيء في صحبة الغير، إمّا بحسب المقال المحقَّق، أو المقدَّر بأن لا يكون ذلك الغير مذكورًا حقيقةً، ويكون في حكم المذكور؛ لكونه مدلولًا عليه بقرينة الحال، فسمي الدين هنا صبغةً؛ لوقوعه في مقابلة صبغة النصارى