للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأتى (١) بسين الاستقبال في {سَيَقُولُ} مع مضي القول المذكور؛ لاستمرارهم عليه؛ بناءً على أن الآية متقدمة في تركيب المصحف متأخرة في النزول عن آية {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} كما ذكره ابن عباس وغيره. فمعنى {سَيَقُولُ}: أنهم يستمرون على هذا القول إن كانوا قد قالوه. وحكمة الاستقبال أنهم كما قالوا ذلك في الماضي منهم أيضًا من يقوله في المستقبل. وقال البيضاوي كالسيوطي تبعًا لما في "الكشاف". والإتيان (٢) بالسين الدالة على الاستقبال من الإخبار بالغيب هو ما عليه أكثر المفسرين.

وفائدة تقدم الإخبار به - أي: على المخبر عنه - توطين النفس، وإعداد الجواب. وقيل: فائدته أن مفاجأة المكروه أشد، والعلم به قبل وقوعه أبعد عن الاضطراب إذا وقع، وإعداد الجواب قبل الحاجة إليه أقطع للخصم، فقبل الرمي يراش السهم.

{مَا وَلَّاهُمْ}؛ أي: أيُّ شيءٍ صرفَ النبي والمؤمنين وحوَّلَهم إلى الكعبة {عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} أولًا وهي بيت المقدس. والقِبْلة: هي الجهة التي يستقبلها الإنسان، وإنما سميت قِبْلةً؛ لأن المصلي يقابلها وهي تقابله. والاستفهام هنا للإنكار؛ أي: أيُّ شيء، وأيُّ سبب اقتضى انصرافهم عن قبلتهم التي كانوا عليها التي هي قبلة الأنبياء والمرسلين؛ أي: لا سبب يقتضي ذلك، وإنما هو من تشهيهم وتصرفهم برأيهم. ومحصل الجواب المذكور بقوله: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} إلخ بيان السب المقتضي لذلك، وهو: إرادة المالك المختار.

{قُلْ} لهم يا محمد: {لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}؛ أي: جميع الجهات من المشارق، والمغارب، وما بينهما كلها لله ملكًا، والخلق عبيده. لا يختص به مكان دون مكان، وإنما العبرة بامتثال أمره، لا بخصوص المكان، يكلف عباده أن يستقبلوا بما شاء منها، وأن تجعل قبلة لهم، فلا اعتراض عليه. {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} هدايته {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: إلى طريق قويم، موصل إلى سعادة


(١) جمل.
(٢) جمل.