للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إن كنت بعيدًا. وإنما ذكر المسجد دون الكعبة لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان في المدينة. والبعيد يكفيه مراعاة الجهة، فإن في استقبال عينها حرجًا عليه بخلاف القريب، وقد حكى القرطبي الإجماع على أن استقبال عين الكعبة فرض على المعاين، وعلى أن غير المعاين يستقبل الناحية. والمراد بالمسجد الحرام هنا: الكعبة كما هو في أكثر الروايات، وقال آخرون: المراد بالمسجد الحرام: جميع المسجد الحرام، وقال آخرون: المراد به الحرم كله.

وقال القرطبي: روى ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي".

{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ}؛ أي: وفي أي موضع كنتم فيه يا أمة محمد، من بر أو بحر، مشرق أو مغرب، {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}؛ أي: فاصرفوا، وحولوا وجوهكم في الصلاة جهة المسجد الحرام الذي هو بمعنى الكعبة. خص (١) الرسول أولًا بالخطاب تعظيمًا له، وإيجابًا لرغبته، ثم عمم تصريحًا بعموم الحكم، وتأكيدًا لأمر القبلة، وتحضيضًا للأمة على المتابعة.

وقال (٢) ابن كثير: أمر تعالى باستقبال الكعبة من جميع جهات الأرض شرقًا وغربًا، وشمالًا وجنوبًا، ولا يستثنى من هذا شيء سوى النافلة في حال السفر، فإنه يصليها حيث ما توجه قالبه، وقلبُه نحو الكعبة، وكذا في حال المسايفة في القتال يصلي على كل حال، وكذا مَنْ جَهِلَ جهة القبلة يصلي باجتهاده وإن كان مخطئًا في نفس الأمر؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها. انتهى.

وأخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصل حتى خرج منه، ولما خرج ركع ركعتين قبل الكعبة، وقال: "هذه القبلة؛ يعني: أن أمر القبلة قد استقر على هذا البيت، فلا ينسخ بعد اليوم، فصلوا إلى الكعبة أبدًا، فهي قبلتكم".


(١) بيضاوي.
(٢) ابن كثير.