للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من القول، وإنما الكائن من القول التخلص. {وَكَانَ} موسى عليه السلام {عِنْدَ اللَّهِ} سبحانه {وَجِيهًا}؛ أي: ذا جاهٍ ومنزلة ودرجة وقدر، فكيف يوصف بعيب ونقيصة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: وجيهًا أي حَظِيًّا، لا يسأل الله شيئًا إلا أعطاه، وفيه إشارة إلى أن موسى عليه السلام كان في الأزل عند الله مقضيًّا له بالوجاهة، فلا يكون غير وجيه بتعيير بني إسرائيل إياه، كما قيل:

إِنْ كُنْتُ عِنْدَكَ يَا مَوْلاَيَ مُطَّرَحًا ... فَعِنْدَ غَيْرِكَ مَحْمُوْلٌ عَلَى الْحِدَقِ

واختلفوا فيما أوذي به موسى (١)، فروى أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة، ينظر بعضهم إلى سوأ بعض، وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر. قال: فذهب مرة يغتسل، فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، قال: فجمح - أسرع - موسى بأثره يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى، فقالوا: واللهِ ما بموسى من بأس، فقام الحجر حتى نظروا إليه. قال: فأخذ ثوبه، فطفق الحجر ضربًا". قال أبو هريرة: والله إن بالحجر ندبًا - أثرًا - ستة أو سبعة من ضرب موسى الحجر. أخرجه البخاري ومسلم.

قال في "إنسان العيون": كان موسى عليه السلام إذا غضب يخرج شعر رأسه من قلنسوته، وربما اشتعلت قلنسوته نارًا لشدة غضبه، ولشدة غضبه لما فر الحجر بثوبه .. ضربه مع أنه لا إدراك له، ووُجِّه بأنه لما فرَّ .. صار كالدابة، والدابة إذا جمحت بصاحبها يؤدبها بالضرب. انتهى.

وقيل في إذاية موسى عليه السلام: إن قارون دفع إلى زانية مالًا عظيمًا على أن تقول على رأس الملأ من بني إسرائيل: إني حامل من موسى بالزنا، فأظهر الله نزاهته عن ذلك، بأن أقرت الزانية بالمصانعة بينها وبين قارون، وفعل بقارون ما فعل من الخسف، كما فصِّل في سورة القصص.

ومعنى الآية (٢): يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، لا تؤذوا الرسول بقولٍ يكرهه، ولا بفعلٍ لا يحبه، ولا تكونوا أمثال الذين آذوا موسى نبيَّ الله، فرموه


(١) الخازن.
(٢) المراغي.