للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: إلا فريقًا من فرق المؤمنين لم يتبعوه، وهم المخلصون. أو المعنى (١): وجد ظنه ببني آدم صادقًا فاتبعوه إلا فريقًا من المؤمنين، وذلك أنه حين شاهد آدم عليه السلام قد أصغى إلى وسوسته قال: إن ذريته أضعف منه عزمًا، ولذا قال: لأضلنهم. وفي "التأويلات النجمية": يشير إلى أن إبليس لم يكن متيقنًا أن يقدر على الإغواء والإضلال، بل كان ظانًا بنفسه أنه يقدر على إغواء من لم يطع الله ورسوله، فلما زين لهم الكفر والمعاصي، وكانوا مستعدين لقبولها حكمة لله في ذلك، وقبلوا منه بعض ما أمرهم به على وفق هواهم، وتابعوه بذلك .. صدق عليهم ظنه؛ أي: وجدهم كما ظن فيهم. اهـ.

ومعنى الآية (٢): أي ولقد ظن إبليس بهؤلاء الذي بدَّلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط - عقوبة منا لهم - ظنًا غير يقين أنهم يتبعونه ويطيعونه في معصية الله، وحين أغواهم وأطاعوه وعصوا ربهم .. تحقق صدق ظنه فيهم، إلا فريقًا من المؤمنين ثبتوا على طاعة الله ومعصية إبليس.

وقرأ ابن عباس وقتادة وطلحة والأعمش وزيد بن علي والكوفيون (٣): {صَدَّقَ} بتشديد الدال، وانتصب {ظَنَّهُ} على أنه مفعول بـ {صَدَّقَ}، والمعنى: وجد ظنه صادقًا؛ أي: ظن شيئًا، فوقع ما ظن. وقرأ باقي السبعة بالتخفيف، فانتصب {ظَنَّهُ} على المصدر، أي: يظن ظنًا، أو على إسقاط الحرف؛ أي: في ظنه، أو على المفعول به، نحو قولهم: أخطأت ظني، وأصبت ظني، وظنه هذا كان حين قال: لأضلنَّهم ولأغوينهم، وهذا مما قاله ظنًا منه، فصدق هذا الظن. وقرأ زيد بن علي والزهري وجعفر بن محمد وأبو الجهجاه الأعرابي من فصحاء العرب وبلال بن أبي برزة بنصب {إبليس} ورفع ظنه أسند الفعل إلى ظنه؛ لأنه ظن ظنًا، فصار ظنه في الناس صادقًا، كأنه صدقه ظنه ولم يكذبه.

وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو: {إبليس ظنه} برفعهما فـ {ظَنَّهُ} بدل من {إبليس} بدل اشتمال.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.