وقيل: ما هنا في المؤمن وما سبق في الكافر، وقيل: ذكره توطئة لما بعده، والمعنى: قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، فلا تخشوا الفقر، وأنفقوا في سبيل الله {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}{مَا}: موصولة، بمعنى: الذي مبتدأ، خبره قوله:{فَهُوَ}، سبحانه {يُخْلِفُهُ} لكم أو شرطية، بمعنى: أيُّ شيء نصب بقوله: أنفقتم، ومن شيء بيان له، وجواب الشرط فهو يخلفه، والمعنى: والذي، أو أي شيء أنفقتموه وصرفتم في طاعة الله تعالى، وطريق الخير والبر، وقيل: المعنى: وما أنفقتم على أنفسكم، أو على عيالكم، أو تصدقتم به، فالله تعالى يعطي خلفًا وعوضًا منه؛ إما في الدنيا بالمال، أو بالقناعة التي هي كنز لا يفنى، وإما في الآخرة بالثواب والنعيم، أو فيهما جميعًا، فلا تخشوا الفقر، وأنفقوا في سبيل الله تعالى، وتعرضوا لألطاف الله عاجلًا أو آجلًا. {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {خَيْرُ الرَّازِقِينَ} وأفضلهم؛ أي: خير من يعطي ويرزق؛ لأن كل من رزق غيره من سلطان يرزق جنده، أو سيد يرزق مملوكه، أو رجل يرزق عياله، فهو من رزق الله تعالى، أجراه الله على أيدي هؤلاء، وهو الرازق الحقيقي الذي لا رازق سواه، فإن رزق العباد بعضهم بعضًا إنما هو بتيسير الله وتقديره، وليسوا برازقين على الحقيقة، ومن أخرج من العباد إلى غيره شيئًا مما رزقه الله .. فهو إنما تصرف في رزق الله له، فاستحق بما خرج منه الثواب عليه المضاعف لامتثاله لأمر الله، وإنفاقه فيما أمره الله تعالى.
ومعنى الآية: أي قل لهم أيها الرسول: إن ربي يوسع الرزق على من يشاء من عباده حينًا، ويضيقه عليه حينًا آخر، فلا تخشوا الفقر، وأنفقوا في سبيله، وتقربوا إليه بأموالكم لتنالكم نفحة من رحمته، وما أنفقتم من شيء فيما أمركم به ربكم، وأباحه لكم .. فهو يخلفه عليكم، ويعوضكم بدلًا منه في الدنيا وفي الآخرة ثوابًا كل خلف دونه.
وفي الحديث:"أنفق بلالًا، ولا تخشى من ذي العرش إقلالًا" وعن مجاهد أنه خصه بالآخرة؛ إذ قال:"إذا كان لأحدٍ شيء فيلقتصد", ويتأول هذه الآية:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} فإن الرزق مقسوم، ولعل ما قسم له منه قليل، وهو ينفق نفقة الموسع عليه. {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} فترزقون من حيث لا تحتسبون، ولا رازق غيره. روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من يوم