للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عند ربه {إِلَّا إِفْكٌ}؛ أي: كذب محض، وكلام مصروف عن وجهه لعدم مطابقة ما فيه من التوحيد والبعث الواقع {مُفْتَرًى}؛ أي: مختلف من عند نفسه وقد نسبه إلى ربه ترويجًا للدعوة، واجتلابًا لقلوب الكافة، والافتراء: الكذب محمدًا، قالوه عنادًا ومكابرةً، وإلا فقد قال كبيرهم عتبة بن ربيعة: واللهِ ما هو شعر ولا كهانة ولا سحر.

ثم شددوا في الإنكار، فجعلوه سحرًا بيِّنًا لا شك فيه عندهم، كما حكي عنهم بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ثالثًا: {لِلْحَقِّ}؛ أي: للقرآن؛ أي: في شأنه على أن العطف لاختلاف العنوان، بأن يراد بالأول وهو قولهم: {إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى} معناه، وبالثاني وهو قولهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} نظمه المعجز، وقيل: إن طائفة منهم قالوا: إنه إفك، وطائفة قالوا: إنه سحر، وقيل: المراد بالحق هنا: التوحيد، وأمور الإِسلام، وقيل: المراد بالذين كفروا المذكور أولًا: جميع الكفار؛ لأن إنكار القرآن والمعجزة كان متفقًا عليه بين أهل الكتاب والمشركين، وبالثاني المشركون؛ لأنهم أنكروا التوحيد على القول بأن المراد بالحق: التوحيد؛ أي: وقال الذين كفروا للحق والقرآن {لَمَّا جَاءَهُمْ}؛ أي: حينما جاءهم من الله تعالى، ومعنى التوقع في {لَمَّا}: أنهم كذبوا به وجحدوه على البديهة ساعة أتاهم، وأول ما سمعوه قبل التدبر والتأمل. {إن} بمعنى ما النافية؛ أي ما {هَذَا} القرآن {إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}؛ أي: خيال ظاهر سحريته لا شبهة فيه.

والمعنى على القول: بأن المراد بالحق التوحيد والشرائع؛ أي (١): وقال المشركون لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من عند ربه مشتملًا على الهدى والشرائع التي وجهتهم في حياتهم الاجتماعية ونظم المعيشة وجهة جديدة، تكون بها سعادتهم في معاشهم ومعادهم، وغيَّرت الطريق التي ورثوها عن الآباء والأجداد: ما هذا إلا سحر مبين لا خفاء فيه عندنا، وقد أعمى أبصارنا، وأضلَّ أحلامنا، فلم نستطيع أن ندفعه بكل سبيل، ولا يزال يلج القلوب ويقتحمها، ويداخل النفوس ويستحوذ عليها، ونحن في حيرة لا نجد طريقًا للتغلب عليه بالوسائل التي نعرفها، وهي بين أيدينا.


(١) المراغي.