من غير مثال سبق من الفطر بفتح الفاء بمعنى: الشق، أو الشق طولًا، كما ذهب إليه الراغب، كأنه شق العدم بإخراجهما منه. وقيل: المعنى: شاقهما لنزول الأرواح من السماء، وخروج الأجساد من الأرض، كما في "البحر". وأما الفطر بكسرها: فهو ترك الصوم. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ما كنت أدري ما فاطر السموات حتى اختصم إلى أعرابيان في بئر فقال: أحدهما أنا فطرتها؛ أي: ابتدأت حفرها.
والمقصود من هذا: أن من قدر على ابتداء هذا الخلق العظيم .. فهو قادر على الإعادة. وقرأ الجمهور (١): {فَاطِرِ} على صيغة اسم الفاعل، وقرأ الزهري والضحاك:{فطر} على صيغة الفعل الماضي فعلى القراءة الأولى نعت للاسم الجليل؛ لأن إضافته محضة لكونه بمعنى الماضي، فتفيد التعريف، ومن جعلها غير محضة جعله بدلًا منه، وهو قليل في المشتق، ومثله:{جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} إضافته محضة أيضًا على أنه نعت آخر للاسم الجليل، ورسلًا منصوب بفعل مقدر؛ لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل عند البصريين، وجوز الكسائي عمله، أو منصوب بـ {جَاعِلِ}؛ لأن اسم الفاعل بمعنى الماضي، وإن كان لا يعمل عند البصريين إلا معرفًا باللام إلا أنه بالإضافة أشبه المعرف باللام فعمل عمله، وأما على أن إضافته غير محضة فهو منصوب بـ {جَاعِلِ} بلا خلاف.
والمعنى: أي مصير الملائكة وسائط بينه تعالى وبين أنبيائه والصالحين من عباده، يبلِّغون إليهم رسالاته بالوحي والإلهام، والرؤيا الصادقة. أو بينه تعالى وبين خلقه؛ حيث يوصلون إليهم آثار قدرته وصنعه. وقال بعضهم: الإلقاء إما صحيح أو فاسد، فالصحيح إلهي رباني متعلق بالعلوم والمعارف أو ملكي روحاني، وهو الباعث على الطاعة وعلى كل ما فيه صلاح، وشحمى إلهامًا. والفاسد نفساني، وهو ما فيه حظ النفس، ويسمى هاجسًا أو شيطاني، وهو ما يدعو إلى معصية، ويسمى وسواسًا.
والمراد بالملائكة: بعضهم لا كلهم، جبرائيل، وإسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، والحفظة المتعاقبون، والملائكة المسددون حكام العدل، وغيرهم