{وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ} مبتدأ وخبر، ولكنه على حذف مضاف، والجدد: جمع جدة بالضم بمعنى الطريقة التي يخالف لونها ما يليها، سواء كانت في الجبل أو في غيره، والخطة في ظهر الحمار تخالف لونه، ولما لم يصح الحكم على نفس الجدد بأنها من الجبال .. احتيج إلى تقدير المضاف؛ أي: أن من الجبال ما هو ذو جدد؛ أي: صاحب خطط وطرائق متلونة يخالف لونها لون الجبل، فيؤول المعنى إلى أن من الجبال ما هو مختلف ألوانه؛ لأن بيض صفة جدد، وحمر عطف على بيض، فتلا عليه السلام القرائن الثلاث، فإن ما قبلها {فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا}، وما بعدها {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ}؛ أي: منهم بعض مختلف ألوانه، فلا بد في القرينة المتوسطة بينهما من ارتكاب الحذف، فيقال: ومن الجبال ما هو مختلف ألوانه ليؤول المعنى إلى ما ذكر فيحصل تناسب القرائن.
وقرأ الجمهور:{جُدَدٌ} بضم الجيم وفتح الدال، وقرأ الزهري: بضمهما، جمع: جديدة، وروي عنه أنه قرأ بفتحهما، وردها أبو حاتم، وصححها غيره. {بِيضٌ} جمع: أبيض صفة جدد، {وَحُمْرٌ} جمع: أحمر، معطوف على بيض، {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا}؛ أي: ألوان تلك الجدد البيض والحمر بالشدة والضعف، فقوله: بيض وحمر، وإن كان صفة لجدد، إلا أن قوله:{مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا} صفة لكل واحدة من الجدد البيض والحور، بمعنى أن بياض كل واحدة من الجدد البيض، وكذا حمرة الجدد الحمر يتفاوتان بالشدة والضعف، فرب أبيض أشد بياضًا من أبيض آخر، وكذلك رب أحمر أشد حمرةً من أحمر آخر، فنفس البياض مختلف، وكذا نفس العمرة، فلذلك جمع لفظ ألوان مضافًا إلى ضمير كل واحد من البيض والحمر، فيكون كل واحد منهما من قبيل الكلي المشكك، ويحتمل أن يكون قوله:{مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا} صفة ثالثة لجدد، فيكون ضمير ألوانها للجدد، فيكون تأكيدًا لقوله:{بِيضٌ وَحُمْرٌ}، ويكون اختلاف ألوان الجدد بأن يكون بعضها أبيض، وبعضها أحمر، فتكون الجدد كلها على لونين بياض وحمرة إلا أنه عبر عن اللونين بألوان لكثرة كل واحد منهما باعتبار محاله، كذا في "حواشي ابن الشيخ". قال