ومركزهما على سبيل الفرض، أو بتخليتهما، كما يكون يوم القيامة، {إِنْ أَمْسَكَهُمَا}؛ أي: ما يمسكها {مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} تعالى؛ أي: ما يقدر أحد على إمساكهما وإعادتهما إلى محلهما ومكانهما من بعده تعالى؛ أي: ما يقدر أحد غيره تعالى على ذلك، أو المعنى: وإن أشرفتا على الزوال ما استطاع أحد غيره تعالى أن يمسكهما ويمنعهما عن السقوط.
والخلاصة: أنه لا يقدر على دوامهما وبقائهما على هذا الوضع إلا اللطيف الخبير، ونحو الآية قوله:{وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ}، وقوله:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ}.
وجملة قوله:{إِنَّهُ} سبحانه وتعالى {كَانَ حَلِيمًا} غير معاجل بالعقوبة التي تستوجبها جنايات الكفار حيث أمسكهما، وكانتا جديرتين بأن تهدّا هدّ العظيم كلمة الشرك، {غَفُورًا} لمن رجع عن كلمة الكفر، وقال بالوحدانية، تعليل لما قبلها من إمساكه تعالى للسموات والأرض؛ أي: ومن ثَمَّ حلم على المشركين، وغفر لمن تاب منهم على عظيم جرمهم المقتضي تعجيل العقوبة لهم.
والخلاصة: أنه يحلم وينظر ويؤجل، ولا يعجّل، ويستر ويغفر.
وفي "شرح الأسماء" للإمام الغزالي رحمه الله تعالى: الحليم: هو الذي يشاهد معصية العصاة، ويرى مخالفة الأمر، ثم لا يستفزّه غضب، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة وطيش. انتهى. والفرق بين الحليم والصبور: أن المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصبور، كما يأمنها في صفة الحليم؛ يعني: أن الصبور يشعر بأنه يعاقب في الآخرة بخلاف الحليم، كما في "المفاتيح". ولعل هذا بالنسبة إلى المؤمنين دون الكفار، فعلى العاقل أن يتخلَّق بهذا الاسم بأن يصفح عن الجنايات، ويسامح في المعاملات، بل يجازي الإساءة بالإحسان, فإنه من كمالات الإنسان.
واعلم: أنّ التوحيد سبب لنظام العالم بأسره، ألا ترى أنه لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله؛ أي: لا يوجد من يوحِّد توحيدًا حقيقيًا، فإنه إذا انقرض أهل هذا التوحيد، وانتقل الأمر من الظهور إلى البطون .. يزول العالم، وينتقض أجزاؤه؛ لأنه إذًا يكون كجسد بلا روح، والروح إذا فارق الجسد يتسارع إلى الجسد البلى والفساد.