ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ}؛ لأنه استعار الإحصاء بمعنى العد للإحصاء بمعنى البيان بجامع الضبط في كل، فاشتق من الإحصاء بمعنى البيان، أحصينا بمعنى: بينا على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} فقد حذف مفعول {فَعَزَّزْنَا}، والتقدير: فعززهما بثالث.
ومنها: التأكيدات في قوله: {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} الآيات، ففي هذه الآيات يبدو التأكيد بأروع صورة للخبر، فقال أولًا:{إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا} فأورد الكلام ابتدائي الخبر، ثم قال:{إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}، فأكده بمؤكدين، وهو: إن، واسمية الجملة، فأورد الكلام طلبيًا، ثم قال:{إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}، فترقى في التأكيد بثلاثة، وهي: إن، واللام، واسمية الجملة، فأورد الكلام إنكاري الخبر جوابًا عن إنكارهم، قيل: وفي قوله: {رَبُّنَا يَعْلَمُ} تأكيد رابع، وهو إجراء الكلام مجرى القسم في التأكيد به، وفي أنه يجاب بما يجاب به القسم، وفي هذه الآية ائتلاف الفاصلة مع ما يدل عليه سائر الكلام، فإن ذكر الرسالة مهد لذكر البلاغ والبيان.
ومنها: قصر القلب في قوله: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} فالمخاطبون وهم الرسل لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرًا ولا منكرين لذلك، لكنهم نزّلوا منزلة المنكرين لاعتقاد الكفار أن الرسول لا يكون بشرًا، فنزلوهم منزلة المنكرين للبشرية لما اعتقدوا التنافي بين الرسالة والبشرية، فقلبوا هذا الحكم وعكسوه وقالوا: ما أنتم إلا بشر مثلنا؛ أي: أنتم مقصورون على البشرية، ليس لكم وصف الرسالة التي تدعونها، فلا فضل لكم علينا يقتضي اختصاصكم بالرسالة دوننا, ولو أرسل الرحمن إلى البشر رسلًا لجعلهم من جنس أفضل منهم، وهم الملائكة على زعمهم.