من الغرق، فهذا الوصف له دخل في الامتنان. وكانت السفينة مملوءة بالحيوان؛ لأنه جعلها ثلاث طبقات. السفلي: وضع فيها السباع والهوام، والوسطي: وضع فيها الدواب والأنعام، والعليا: وضع فيها الآدميين والطير، اهـ شيخنا. والشحناء: عداوة امتلأت منها النفوس، كما في «المفردات» وهو اسم مفعول من شحن السفينة إذا ملأها، وأتم جهازها كله. ويقال: بينهما شحناء؛ أي: عداوة، وهو مشاحن لأخيه، ويقال للشيء الشديد الحموضة: إنه ليشحن الذباب؛ أي: يطرده، وبابه فتح إذا كان بمعنى الملء، وإذا كان بمعنى الطرد فهو من باب فتح ونصر، يقال: شحنت الكلاب؛ أي: أبعدت الطرد ولم تصد شيئًا، وإذا كان بمعنى الحقد فهو من باب تعب.
{وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ} الغرق: الرسوب في الماء. {فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} الصريخ فعيل بمعنى: مفعل؛ أي: مصرخ، وهو المغيث، ويطلق أيضًا على الصارخ؛ أي: المستغيث، فهو من الأضداد، ويكون مصدرًا بمعنى الإغاثة. وكل منهما مراد هنا. وفي «الأساس»: وصرخ يصرخ صراخًا وصريخًا وهو صارخ وصريخ. والصراخ: صوت المستغيث، وصوت المغيث إذا صرخ بقومه للإغاثة.
{مَتى هذَا الْوَعْدُ}؛ أي: متى يتحقق ويجيىء ما وعدنا به. والوعد يستعمل في الخير والشر والنفع والضر، والوعيد في الشر خاصة. والوعد هنا يتضمن الأمرين؛ لأنه وعد بالقيامة. وجزاء العباد إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.
{ما يَنْظُرُونَ} من النظر بمعنى الانتظار، كما سبق. {إِلَّا صَيْحَةً} والصيحة: رفع الصوت. {تَأْخُذُهُمْ} والأخذ: حوز الشيء، وتحصيله. وذلك تارة بالتناول نحو:{مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ}، وتارة بالقهر نحو:{لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}. ويقال: أخذته الحمّى، ويعبر عن الأسير بالمأخوذ والأخيذ.
{يَخِصِّمُونَ} بفتح الياء وكسر الخاء وكسر الصاد المشددة. أصله: يختصمون، فقلبت التاء صادًا، ثم أسكنت وأدغمت في الصاد الثانية، ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين، فصار {يَخِصِّمُونَ}، وماضيه خصّم، أصله: اختصم، فنقلت حركة التاء إلى الخاء ثم قلبت؛ أي: التاء صادًا وأدغمت في الصاد،