محالة، وأنه سيأتي بغتةً من حيث لا يشعر به أحد، فما هو إلا صيحة واحدة، فإذا الناس خارجون من قبورهم ينسلون .. أردف ذلك ببيان ما أعده للمحسن والمسيء في هذا اليوم، من ثواب وعقاب، ليكون في ذلك ترغيب في صالح الأعمال، وترهيب من فعل الفجور، واجتراح السيئات.
قوله تعالى: {وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر ما للمحسنين من نعيم، واجتماع بالمحبين والإخوان والأزواج في الجنات .. أعقبه بذكر حال المجرمين، وأنهم في ذلك اليوم يطلب منهم التفرق، وابتعاد بعضهم من بعض. فيكون لهم عذابان: عذاب النار، وعذاب الوحدة. ولا عذاب فوق هذا.
ثم أردف هذا، بأنه قد كان لهم مندوحة من كل هذا، بما أرسل إليهم من الرسل، الذين بلّغوهم أوامر ربهم ونواهيه. ومنها: نهيهم عن اتباع خطوات الشيطان، وعن اتباعه فيما يوسوس به. ثم ذكر: أنه كان لهم فيمن قبلهم من العظات، ما فيه مزدجر لهم لو تذكروا، لكنهم اتبعوا وساوسه، فحل بهم من النكال والوبال ما رأوا آثاره بأعينهم في الدنيا. وفيه دليل على ما سيكون لهم في العقبى. ثم ذكر مآل أمرهم، وأنهم سيصلون نار جهنم، خالدين فيها أبدًا بما اكتسبت أيديهم. وهم في هذا اليوم، لا ينطقون ببنت شفة، ولا تقبل منهم معذرة، بل تتكلم أيديهم بما عملت، وتشهد أرجلهم بما اكتسبت. ثم ذكر: أنه رحمة منه بعباده، لم يشأ أن يعاقبهم في الدنيا شديد العقوبات، فلم يشأ أن يذهب أبصارهم حتى لو أرادوا الاستباق، وسلوك الطريق الذي اعتادوا سلوكه، ما قدروا ولا أبصروا، ولم يشأ أن يمسخ صورهم، ويجعلهم كالقردة والخنازير، حتى لو أرادوا الذهاب إلى مقاصدهم ما استطاعوا، ولو أرادوا الرجوع ما قدروا. ثم دفع معذرة أخرى ربما احتجوا بها. وهي أن ما عمروه قليل، ولو طال عمرهم لأحسنوا العمل، واهتدوا إلى الحق. فرد ذلك عليهم بأنهم كلما عمروا في السن ضعفوا عن العمل، وقد عمروا مقدار ما يتمكنون به من البحث والإدراك، كما قال:{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}، ولكن ذلك ما