للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والختم لازم للكفار أبدًا. أما في الدنيا فعلى قلوبهم، كما قال تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ}، وأما في الآخرة، فعلى أفواههم، في الوقت الذي كان الختم على قلوبهم، كان قولهم بأفواههم كما قال تعالى: {ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ} فلما خُتم على أفواههم أيضًا، لزم أن يكون قولهم بأعضائهم لأن الإنسان لا يملك غير القلب واللسان والأعضاء، فإذا لم يبق القلب واللسان تعين الجوارح والأركان. وفي الكلام، التفات من الخطاب إلى الغيبة للإيذان بأن أفعالهم القبيحة مستدعية للإعراض عن خطابهم.

وقرىء (١) {اليوم يُختم على قلوبهم} مبنيًا للمفعول، والنائب الجار والمجرور بعده. وقُرىء {وتتكلم أيديهم} بتاءين. وقرأ الجمهور {تكلمنا} و {تشهد}. وقرأ طلحة بن مصرف {ولِتكلمنا ولِتشهد} بلام كي. وقُرىء {ولْتكلمنا أيديهم ولتشهد أرجلهم} بلام الأمر، والجزم على أن الله يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة.

وقيل: سبب الختم على أفواههم، ليعرفهم أهل الموقف. وقيل: خُتم على أفواههم، لأجل أن يكون الإقرار من جوارحهم؛ لأن شهادة غير الناطق أبلغ في الحجة من شهادة الناطق، لخروجه مخرج الإعجاز. وقيل: ليعلموا أن أعضاءهم التي كانت أعوانًا لهم في معاصي الله، صارت شهودًا عليهم، فلا ينبغي لأحد أن يلتفت إلى ما سوى الله تعالى، ويصحب أحدًا غير الله لئلا يفتضح ثمة بسبب صحبته. ولقد أجاد من قال:

كُنْ مِنَ الْخَلْقِ جَانِبًا ... وارْضَ بِاللهِ صَاحِبَا

قَلِّبِ الْخَلْقَ كَيْفَ شِئْـ ... ـتَ تَجِدْهُ عَقَارِبَا

وجعل (٢) ما تنطق به الأيدي كلامًا وإقرارًا، لأنها كانت المباشرة لغالب المعاصي. وجعل نطق الأرجل شهادة؛ لأنها حاضرة عند كل معصية، وكلام الفاعل إقرار، وكلام الحاضر شهادة. وهذا باعتبار الغالب، وإلا فالأرجل قد


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.