للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خلقهما فهو على خلق الأناسي أقدر، كما قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}. أو مثلهم في أصول الذات وصفاتها، وهو المعاد، فإن المعاد مثل الأول في الاشتمال على الأجزاء الأصلية والصفات المشخصة، وإن غايره في بعض العوارض؛ لأن أهل الجنة جرد مرد، وإن الجهنمي ضرسه مثل أحد وغير ذلك. وقال بعضهم: لفظ {مثل} في قوله: {مِثْلَهُمْ} مقحم كقولك مثل يجود؛ أي: على أن يخلقهم.

وقرأ الجمهور (١): {بِقادِرٍ} بباء الجر، داخلة على اسم الفاعل. وقرأ الجحدري، وابن أبي إسحاق، والأعرج، وسلام بن المنذر، وأبو يعقوب الحضرمي {يقدر} فعلًا مضارعًا.

وقوله: {بَلى} جواب من جهته تعالى، وتصريح بما أفاده الاستفهام الإنكاري من تقرير ما بعد النفي، وإيذان بتعين الجواب بهذا نطقوا به، أو تلعثموا فيه مخافة الإلزام. قال ابن الشيخ: هي مختصة بإيجاب النفي المتقدم ونقضه، فهي هاهنا لنقض النفي الذي بعد الاستفهام؛ أي: بلى إنه قادر، كقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى}؛ أي: بلى أنت ربنا.

وقوله: {وَهُوَ} سبحانه {الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} معطوف على ما يفيده الإيجاب؛ أي: بلى وهو قادر على أن يخلق مثلهم، وهو المبالغ في الخلق والعلم كمًا وكيفًا، على أكمل وجه وأتمه. وقرأ الجمهور: {الْخَلَّاقُ} بصيغة المبالغة لكثرة مخلوقاته. وقرأ الحسن، والجحدري، ومالك بن دينار، وزيد بن علي {وهو الخالق} بصيغة اسم الفاعل. وقال بعضهم معنى: {وَهُوَ الْخَلَّاقُ} العليم؛ أي: كثير المخلوقات والمعلومات، يخلق خلقًا بعد خلق، ويعلم جميع الخلق.

وذكر البرهان الرشيدي: أن صفات الله تعالى، التي على صيغة المبالغة كلها مجاز؛ لأنها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها؛ لأن المبالغة أن يثبت للشيء أكثر مما له، وصفاته تعالى متناهية في الكمال، لا يمكن المبالغة فيها، وأيضا


(١) البحر المحيط.