قلت: إن الحكمة في القسم، تأكيد الأدلة التي تقدم تفصيلها في سورة يس، ليزداد الذين آمنوا إيمانا ويزداد الكافرون بعدًا وطردًا. أو الحكمة فيه تعظيم المقسم به، وإظهار شرفه، وتأكيد المقسم عليه على ما هو المألوف في كلامهم. وقد أنزل القرآن على لغتهم، وعلى أسلوبهم في محاوراتهم. وقيل: تقدير الكلام فيها وفي أمثالها: ورب الصافات، ورب الشمس، ورب الضحى، ورب التين والزيتون، ورب الذاريات، ورب النجم إلى غير ذلك.
وقرأ ابن مسعود (١)، ومسروق، والأعمش، وأبو عمرو، وحمزة بإدغام التاء من الصافات والزاجرات والتاليات في صاد {صَفًّا} وزاي {زَجْرًا} وذال ذكرًا وكذلك فعلا في {وَالذَّارِياتِ ذَرْوًا (١)}، وفي {فَالْمُلْقِياتِ ذِكْرًا}{وَالْعادِياتِ ضَبْحًا} بخلاف عن خلاد في الأخيرين. وهذه القراءة قد أنكرها أحمد بن حنبل لما سمعها. وقرأ الباقون بإظهار جميع ذلك.
قال أبو مسلم الأصفهاني: لا يجوز حمل هذه الألفاظ على الملائكة؛ لأنها مشعرة بالتأنيث، والملائكة مبرؤون عن هذه الصفة. وأجيب عنه بوجهين:
الأول: أن الصفات المذكورة جمع الجمع، فإنه يقال جماعة صافة، ثم يجمع على صافات.
الثاني: أنهم مبرؤون عن التأنيث المعنوي، وأما التأنيث اللفظي فلا وكيف وهم يسمون بالملائكة، مع أن علامة التأنيث حاصلة، انتهى.
قال الغزالي، رحمه الله سبحانه: الواحد في أسمائه تعالى هو الذي لا يتجزأ ولا يثنى، وهو سبحانه الواحد المطلق أزلًا وأبدًا، وخاصية هذا الاسم، إخراج الكون من القلب، فمن قرأه ألف مرة خرج الخلائق من قلبه، فكفي خوف الخلق. وهو أصل كل بلاء في الدنيا والآخرة. وسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يقول في