اللساني؛ أي: واذكر لقومك قصة داود؛ أي: وتذكر يا محمد {عَبْدَنا} المخصوص بعنايتنا القديمة {داوُدَ} بن ايشا، من سبط يهودا بن يعقوب عليه السلام، بينه وبين موسى عليه السلام، خمس مئة وتسع وستون سنة، وقام بشريعة موسى، وعاش مئة سنة. {ذَا الْأَيْدِ}؛ أي: صاحب القوة في الدين القائم بمشاقه وتكاليفه. وفي «الكواشي»: ويجوز أن يراد القوة في الجسد والدين، انتهى.
والمعنى: اذكر قصته، فإنك تجد فيها ما تتسلى به؛ أي: تذكر قصته ومن نفسك عن أن تترك ما كلفت به من مصابرتهم، وتحمل أذاهم، لئلا يلقاك من المعاتبة مثل ما وقع لداود. اهـ «أبو السعود».
واعلم: أنه تعالى ذكر أولًا قوة داود في أمر الدين، ثم زلته بحسب القضاء الأزلي، ثم توبته بحسب العناية السابقة، وأمره - صلى الله عليه وسلم - بتذكر حاله، وقوته في باب الطاعة، ليتقوى على الصبر، ولا يزل عن مقام استقامته، وتمكينه كما زل قدم داود، فظهرت المناسبة بين المسندين، واتضح وجه عطف و {اذْكُرْ} على {اصْبِرْ}.
وجملة قوله:{إِنَّهُ أَوَّابٌ} تعليل لكونه ذا الأيد، من الأوب، وهو الرجوع؛ أي: وإنما وصفناه بالقوة في الدين؛ لأنه كان رجاعًا إلى الله ومرضاته سبحانه؛ أي: رجاعًا عن كل ما يكره الله إلى ما يحب الله سبحانه وتعالى، فهو تعليل لكونه ذا الأيد، ودليل على أن المراد به: القوة في أمر الدين، وما يتعلق بالعبادة لا قوة البدن؛ لأن كونه راجعًا إلى مرضاة الله تعالى، لا يستلزم كونه قويّ البدن. وقد روي: أنه لم يكن جسيمًا كسائر الأنبياء، بل قصير القامة، وأكثر القوى البدنية كان فيمن زاده الله بسطةً في جسمه.
وفي «التأويلات النجمية»: تشير الآية إلى كماليته في العبودية، بأنه لم يكن عبد الدنيا، ولا عبد الآخرة، وإنما كان عبدنا خالصًا مخلصًا، وله قوة في العبودية ظاهرًا وباطنًا، فأما قوته ظاهرًا، فبأنه قتل جالوت، وكثيرًا من جنوده بثلاثة أحجار رماها عليهم، وأما قوته في الباطن، فلأنه كان أوابا، وقد سرت أوابيته في الجبال والطير، فكانت تؤوب معه، انتهى. ومن قوة عبادته كان يصوم