للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فباغتسالك به يبرأ ظاهرك مما به {وَشَرابٌ} تشرب منه، فيبرأ باطنك مما به، والواو لتأكيد الصفة بالموصوف والظاهر (١): أن المشار إليه كان واحدًا، والعين التي نبعت له عينان شرب من إحداهما، واغتسل من الأخرى، وقيل: ضرب برجله اليمنى، فنبعت عين حارة، فاغتسل بها، وباليسرى فنبعت باردة فشرب منها، وهذا مخالف لظاهر قوله: {مُغْتَسَلٌ بارِدٌ}، فإنه يدل على أنه ماء واحد، وقال الحسن: ركض برجله، فنبعت عين ماء، فاغتسل منها، ثم مشى نحوًا من أربعين ذراعًا، ثم ركض برجله، فنبعت عين ماء فشرب منها، قيل: والجمهور على أنه ركض ركضتين، فنبعت له عينان شرب من إحداهما، واغتسل من الأخرى، والجمهور على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله، وعافى المرضى، وجمع عليه من شتت منهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: مكث في البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات لم يغمض فيهن، ولم ينقلب من جنب إلى جنب، كما في زهرة الرياض. ولا نعلم (٢) على وجه التحقيق، قدر الزمن الذي لحقه فيه الضر، ولا نوع هذا الضر، إذ القرآن لم يصرح بهذا، ولكنا نعلم على وجه، لا يقبل الشك أنه لم يصب بأذى ينفّر منه الناس، ويمنعهم من لقائه والجلوس معه؛ لأن ذلك شرط من شروط النبوة، كما أنّا نعلم من وصف الدواء الآتي الذي أوحى الله تعالى به إليه، أنه من الأمراض الجلدية التي تشفيها المياه المعدنية أو الكبريتية، كما أشار إلى ذلك بقوله واصفا الدواء: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢) أي: حرك الأرض برجلك، واضربها بها يخرج ينبوع من الماء تغتسل منه وتشرب، فتبرأ مما أنت فيه من المرض.

وفي هذا (٣): إيماء إلى نوع المرض، الذي كان به، وأنه من الأمراض الجلدية غير المعدية كالأكزيما، والحكة، ونحوهما مما يتعب الجسم، ويؤذيه أشد الإيذاء، لكنه ليس بقتال، وكلما تقدم الطب، أمكن للطبيب أن يبين نوع هذا


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.