للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى لمّا أخبر أنه عدو .. أخذ بذكر ثمرة العداوة وما نشأ عنها؛ وهو أمره - عليه لعائن الله - لمن اتبعه بالسوء والفحشاء.

قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ...} مناسبة (١) هذه الآية لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لمّا ذكر أن هؤلاء الكفار إذا أُمروا باتباع ما أنزل الله .. أعرضوا عن ذلك، ورجعوا إلى ما ألفوه من اتباع الباطل الذي نشؤوا عليه، ووجدوا عليه أباءهم، ولم يتدبروا ما يقال لهم، وصموا عن سماع الحق، وخرسوا عن النطق به، وعموا عن أبصار النور الساطع النبوي .. ذكر هذا التشبيه العجيب في هذه الآية منبهًا على حالة الكافر في تقليده أباه، ومحقرًا نفسه إذ صار هو في رتبة البهيمة، أو في رتبة داعيها على الخلاف المذكور في هذا التشبيه.

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ...} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لمّا أباح لعباده أكل ما في الأرض من الحلال الطيب، وكانت وجوه الحلال كثيرة .. بين لهم ما حرّم عليهم لكونه أقل، فلما بين ما حرم بقي ما سوى ذلك على التحليل حتى يرد منع آخر، وهذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عمّا يلبس المُحْرِم؟ فقال: "لا يلبس القميص ولا السراويل" فعدل عن ذكر المباح إلى ذكر المحظور: لكثرة المباح، وقلة المحظور، وهذا من الإيجاز البليغ.

قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ...} مناسبته (٢) لما قبله: أنه تعالى لمّا أمر بأكل الحلال في الآية السابقة .. فصل هنا أنواع الحرام، وأسند التحريم إلى الميتة وما نسق بعدها وفي المقام حذف، والظاهر أن المحذوف هو الأكل؛ لأن التحريم لا يتعلق بالعين، ولأن السابق المباح هو الأكل في قوله: {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ} {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} فالممنوع هنا هو الأكل، وكذا غيره من سائر الانتفاعات على الراجح.


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.