الأول: أن النار طبعها الفساد، وإتلاف ما تعلقت به بخلاف التراب، فإنه إذا وضع القوت فيه، أخرجه أضعاف ما وضع فيه، بخلاف النار، فإنها آكلة لا تبقي ولا تذر.
والثاني: أن النار طبعها الخفة، والطيش، والحدة، والتراب طبعه الرزانة، والسكون، والثبات.
والثالث: أن التراب يكون فيه، ومنه أرزاق الحيوانات وأقواتهم، ولباس العباد وزينتهم، وآلات معايشهم ومساكنهم، والنار لا يتكون فيها شيء من ذلك.
والرابع: أن التراب ضروري للحيوان، لا يستغني عنه البتة، ولا عما يتكون فيه ومنه، والنار يستغني عنها الحيوان مطلقًا، وقد يستغني عنها الإنسان أيامًا وشهورًا، فلا تدعوه إليها ضرورة.
الخامس: أن النار لا تقوم بنفسها، بل هي مفتقرة إلى محل تقوم به، يكون حاملًا، والتراب لا يفتقر إلى حامل، فالتراب أكمل منها، لغناه وافتقارها.
والسادس: أن النار مفتقرة إلى التراب، وليس بالتراب فقر إليها، فإن المحل الذي تقوم به النار، لا يكون إلا متكونا من التراب أو فيه، فهي المفتقرة إلى التراب، وهو الغني عنها.
والسابع: أن المادة الإبليسية هي المارج من النار، وهو ضعيف تتلاعب به الأهوية، فيميل معها كيفما مالت، ولهذا غلب الهوى على المخلوق منه فأسره وقهره، ولما كانت المادة الآدمية هي التراب، وهو قوي لا يذهب مع الهواء أينما ذهب، فهو قهر هواه، وأسره، ورجع إلى ربه فاجتباه، فكان الهواء الذي مع المادة الآدمية عارضا سريع الزوال، فزال، فكان الثبات والرزانة أصلًا له، فعاد إليه، وكان إبليس بالعكس من ذلك، فعاد كل منهما إلى أصله وعنصره، آدم إلى أصله الطيب الشريف، واللعين إلى أصله الرديء الخبيث.
والثامن: أن النار وإن حصل بها بعض المنفعة من الطبخ والتسخين والاستضاءة بها، فالشر كامن فيها لا يصدها عنه، إلا قسرها وحبسها، ولولا