{اللَّهُ} سبحانه وتعالى: {يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ}؛ أي (١): يقبض الأرواح الإنسانية عن الأبدان، بأن يقطع تعلّقها عنها، وتصرُّفها فيها ظاهرًا وباطنًا، وذلك عند الموت، فيزول الحسّ والحركة عن الأبدان، وتبقى كالخشب اليابس، ويذهب العقل والإيمان والمعرفة مع الأرواح؛ أي: يقبض الأنفس التي بها الحياة، والأنفس التي بها الإدراك جميعًا.
{حِينَ مَوْتِهَا}؛ أي: حين موت أبدانها وأجسادها، فالكلام على حذف مضاف، كما في "الوسيط". والموت: زوال القوّة الحسّاسة. كما أنّ الحياة وجود هذه القوة، ومنه سمِّي الحيوان حيوانًا، ومبدأ هذه القوّة هو الروح الحيواني، الذي محلّه الدماغ، كما أنّ محلّ الروح الإنساني القلب الصنوبري، ولا يلزم من ذلك تحيزه فيه، وإن كانت الأرواح البشرية متحيزة عند أهل السنة، ثمّ إنّ الإنسان ما دام حيًّا فهو إنسان بالحقيقة، فإذا مات .. فهو إنسان بالمجاز؛ لأنَّ إنسانيته في الحقيقة إنما كانت بتعلُّق الروح الإنسانيّ وقد فأرقه. {و} يتوفى الأنفس {الَّتِي لَمْ تَمُتْ}؛ أي: ويقبض الأرواح المدركة التي لم تمت أجسادها. {فِي مَنَامِهَا}؛ أي: حين نومها، بأن يقطع تعلُّقها عن الأبدان، وتصرّفها فيها ظاهرًا وباطنًا، فالنائم يتنفّس ويتحرّك ببقاء الروح الحيوانيّ، ولا يعقل ولا يميّز بزوال الروح الإنساني. وقوله:{فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} راجع إلى قوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}؛ أي: فيمسك الله الأنفس التي قضى وحكم عليها موت أجسادها عنده، ولا يردُّها إلى أجسادها، وذلك الإمساك إنما هو في عالم البرزخ، التي تكون الأرواح فيه بعد المفارقة من النشأة الدنيوية، وهو غير البرزخ بين الأرواح المجرّدة والأجسام التي قبل النشأة الدنيويّة، ويسمّى عالم المثال؛ أي: يمسك أنفس الإماتة عنده، ولا يردها إلى البدن، وأسند القبض إليه تعالى؛ لأنّه الآمر للملائكة القابضين، وفي "زهرة الرياض" التوفي من الله تعالى: الأمر بخروج الروح من البدن، ولو اجتمعت الملائكة .. لم يقدروا على إخراجها، فالله يأمرها بالخروج، كما أمرها بالدخول، ومن الملائكة المعالجة.