للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): أي ترى يا محمد، أو أيها الرائي، الملائكة محيطين بجوانب العرش، قائمين بجميع ما يطلب منهم، فيسمع لحفوفهم صوت التسبيح والتقديس، ويصلون حول العرش شكرًا لربهم، وتنزيهًا له عن كل نقص. {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}؛ أي: حكم بين العباد {بِالْحَقِّ}؛ أي: بالعدل، بإدخال بعضهم الجنة، وبعضهم النار، أعاذنا الله منها، أو بين الملائكة، بإقامتهم في منازلهم على حسب تفاضلهم في درجاتهم، والأول أولى.

{وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ أي: على ما قضى بيننا بالحق، وأنزل كلا منا منزلته التي هي حقه، والقائلون (٢): هم المؤمنون، حمدوا الله على قضائه بينهم، وبين أهل النار بالحق، وقيل: القائلون: هم الملائكة، حمدوا الله تعالى على عدله في الحكم، وقضائه بين عباده بالحق، والمقصود من هذا الإبهام: التنبيه على أن خاتمة كلام العقلاء في الثناء على حضرة ذي الجلال والكبرياء، ليس إلا أن يقولوا: الحمد لله رب العالمين.

والمعنى: أي وختمت خاتمة القضاء بينهم، بالشكر للذي بدأ خلقهم، وصورهم فأحسن صورهم، ومن له ملك السموات والأرض وما بينهما من المخلوقات، التي لا يعلم عددها إلا هو، وقد بدأ سبحانه هذه الآية بالحمد، وختمها بالحمد للتنبيه إلى تحميده، في بداية كل أمر ونهايته.

وقال قتادة: افتتع الخلق بالحمد في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١)} واختتم بالحمد في قوله تبارك وتعالى {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥)}.

وعلم مما ذكر: أنهم يقدمون التسبيح على التحميد، فالتسبيح: عبارة عن إقرارهم بكونه تعالى موصوفًا بصفات الإكرام، ثم إن جوانب العرش ملاصقة لجوانب الجنة، فالمؤمنون والملائكة يصيرون متوافقين على الاستغراق في تحميد الله تعالى وتمجيده وتسبيحه، فكان ذلك سببًا لمزيد التذاذهم، والله تعالى أعلم بمراده، وأسرار كتابه.


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.