الثالث هو التوبة، والتوبة في الشرع: هي ترك الذنب لقبحه، والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة، فمتى اجتمعت هذه الأربعة .. فقد كملت شرائط التوبة، فالتوبة هي الرجوع عما كان مذمومًا في الشرع إلى ما هو محمود في الدين، والاستغفار: عبارة عن طلب المغفرة بعد رؤية قبح المعصية والإعراض عنها، فالتوبة مقدمة على الاستغفار، والاستغفار لا يكون توبة بالإجماع، ما لم يقل معه: تبت وأسأت ولا أعود إليه أبدًا، فاغفر لى يارب.
وتوسيط الواو بين الغافر والقابل؛ لإفادة الجمع بين محو الذنوب وقبول التوبة في موصوف واحد بالنسبة إلى طائفة هي طائفة المذنبين التائبين، فالمغفرة بمحو الذنوب بالتوبة، والقبول بجعل تلك التوبة طاعة مقبولًا يثاب عليها، فقبول التوبة كناية عن أنه تعالى يكتب تلك التوبة للتائب طاعة من الطاعات، وإلا لما قبلها؛ لأنه لا يقبل إلا ما كان طاعة، أو لتغاير الوصفين، إذ ربما يتوهم الاتحاد، بأن يذكر الثاني لمجرد الإيضاح والتفسير، أو لتغاير موقع الفعلين ومتعلقهما؛ لأن الغفر: هو الستر مع بقاء الذنب، وذلك لمن لم يتب من أصحاب الكبائر، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والقبول بالنسبة إلى التائبين عنها.
وفي "الأسئلة المقحمة": قدم المغفرة على التوبة؛ ردًا على المعتزلة، ليعلم أنه تعالى ربما يغفر من غير توبة {شَدِيدِ الْعِقَابِ}؛ أي: مشدد العقاب لمن مات على الشرك، فهو اسم فاعل، كما قبله، فصح جعله نعتًا للمعرفة، حيث يراد به الدوام والثبوت، وليس بصفة مشبهة، حتى تكون الإضافة لفظية، بأن يكون من إضافة الصفة إلى فاعلها، ولئن سلم .. فالمراد الشديد عقابه باللام فحذفت للازدواج مع {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} في الخلو عن الألف واللام {ذِي الطَّوْلِ}؛ أي: صاحب الفضل والإحسان على من آمن به بترك العقاب المستحق، وذي الغنى على من لم يؤمن به، والطول بالفتح: الفضل، يقال: لفلان على فلان طول؛ أي: زيادة وفضل، وأصل هذه الكلمة من الطول الذي هو خلاف القصر؛ لأنه إذا كان طويلًا .. ففيه كمال وزيادة، كما أنه إذا كان قصيرًا .. ففيه قصور ونقصان، وسمي الغني أيضًا طولًا؛ لأنه ينال به من المرادات ما لا ينال عند الفقر، كما أنه بالطول ينال ما لا ينال بالقصر، كذا في "تفسير الإِمام" في سورة النساء، والمراد هنا: