الأمم المكذبة، المتحزبة على رسلهم، المجادلة بالباطل لإدحاض الحق به .. وجب أيضًا {عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} من قومك؛ أي: كفروا ربك، وتحزبوا عليك، وهموا بما لم ينالوا، فالموصول عبارة عن كفار قومه - صلى الله عليه وسلم -، وهم قريش، لا عن الأمم المهلكة.
وقوله:{أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} في حيز النصب بحذف لام التعليل، وإيصال الفعل؛ أي: كذلك حقت كلمة العذاب على الذين كفروا من قومك؛ لأنهم مستحقو أشد العقوبات وأفظعها، التي هي عذاب النار، وملازموها أبدًا لكونهم كفارًا معاندين، متحزبين على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كدأب من قبلهم من الأمم المهلكة، فهم لسائر فنون العقوبات أشد استحقاقًا، وأحق استيجابًا، فعلة واحدة تجمعهم، وهي أنهم أصحاب النار.
والمعنى (١): أي وكما حق على الأمم التي كذبت رسلها، وقصصت عليك خبرها، أن يحل بها عقابي .. وجبت كلمة ربك على الذين كفروا بالله من قومك؛ لأن الأسباب واحدة، والعلة متحدة، وهي كفرهم وعنادهم للحق، واهتمامهم بإطفاء نور الله الذي بثه في الأرجاء، لإصلاح نظم العالم وسعادته في دينه ودنياه، وارتقاء النفوس البشرية، والسمو بها عن الاستخذاء إلى شجر أو حجر أو حيوان، طمعًا في خير يرجى منه، وشفاعة تنفع عند الله تعالى.
وقيل: هو؛ أعني قوله:{أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} في محل الرفع على أنه بدل من {كَلِمَتُ رَبِّكَ} بدل الكل.
والمعنى عليه: أي مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة المهلكة كونهم من أصحاب النار؛ أي: كما وجب إهلاكهم في الدنيا بعذاب الاستئصال، كذلك وجب تعذيبهم بعذاب النار في الآخرة، فالتشبيه واقع بين حالتيهم، والجامع للطرفين: إيجاب العذاب، ومحل الكاف على كلا التقديرين، النصب، على أنه نعت لمصدر محذوف، وفي الآية إشارة إلى أن الإصرار مؤد إلى الأخذ والانتقام في الدنيا والآخرة، فعلى العاقل أن يرجع إلى الله، ويتوب ويتعظ بغيره، قبل أن يتعظ الغير به، عصمنا الله تعالى وإياكم من أسباب سخطه.