للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الشديد لمن يراه متعاطيًا لقبيح، والبغض: نفار النفس من الشيء، ترغب عنه، وهو ضد الحب، وهو انجذاب النفس إلى الشيء الذي ترغب فيه، ومقت الله: غضبه وسخطه، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، وحذف مفعوله؛ لدلالة المقت الثاني عليه، والمعنى: والله لمقت الله أنفسكم الأمارة بالسوء {أَكبَرُ} وأشد {مِنْ مَقْتِكُمْ} وبغضكم {أَنْفُسَكُمْ} الأمارة بالسوء، وذلك أن الكفار يمقتون في جهنم أنفسهم الأمارة بالسوء، التي وقعوا بها فيما وقعوا فيه من العذاب المخلد باتباع هواها؛ أي: يغضبون عليها حتى يأكلوا أناملهم، ويبغضونها أشد البغض، وينكرونها أشد الإنكار، ويظهرون ذلك على رؤوس الأشهاد، فعند ذلك تناديهم الملائكة من مكان بعيد.

والظرف في قوله: {إِذْ تُدْعَوْنَ} في الدنيا من جهة الأنبياء {إِلَى الْإِيمَانِ} فتأبون قبوله {فَتَكْفُرُونَ} بالله تعالى وتوحيده، اتباعًا لأنفسكم، ومسارعة إلى هواها .. متعلق بالمقت الأول، ولا يقدح فيه وجود الخبر في "العين"؛ لأنَّ في الظروف اتساعًا.

والمعنى: إن الذين كفروا تناديهم الملائكة يوم القيامة، وهم يتلظون النار، ويذوقون العذاب، فيمقتون أنفسهم، ويبغضونها أشد البغض، بسبب ما أسلفوا من سيء الأعمال التي كانت سبب دخولهم في النار، والله إن مقت الله إياكم في الدنيا حين تدعون إلى الإيمان، فتكفرون، أشد من مقتكم أنفسكم اليوم، وأنتم على هذه الحال.

وقال الأخفش: {اللام} في قوله: {لَمَقْتُ اللَّهِ}: لام الابتداء، دخلت على معمول خبر {إنَّ}. وقيل: الظرف في قوله: {إِذْ تُدْعَوْنَ}: متعلق بمحذوف، تقديره: اذكروا إذ تدعون في الدنيا.

والخلاصة (١): أن مقت الله لأهل الضلال حين عرض عليهم الايمان في الدنيا فتركوه، وأبو أن يقبلوه، أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذابه يوم القيامة. قاله قتادة ومجاهد والحسن البصري وابن جرير.


(١) المراغي.