للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{قَالُوا} لاستكمال شقاوتهم {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}؛ أي: تابعوه في الإيمان والتوحيد، والقائل فرعون وذوو الرأي من قومه، أو فرعون وحده؛ لأنه بمنزلة الكل، كما قال: سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم {وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ}؛ أي: أبقوا بناتهم أحياءً لخدماتنا فلا تقتلوهن.

والمعنى (١): أعيدوا عليهم القتل، وذلك أنه قد أمر بالقتل قُبيل ولادة موسى عليه السلام بإخبار المنجمين بقرب ولادته، ففعله زمانًا طويلًا ثم كف عنه؛ مخافة أن تفنى بنو إسرائيل، وتقع الأعمال الشاقة على القبط، فلما بعث موسى وأحسّ فرعون بنبوته .. أعاد القتل غيظًا وحنقًا، ظنًا منهم أنه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملك فرعون على يده.

قال قتادة: هذا قتل غير القتل الأول, لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان بعد ولادة موسى، فلما بعث الله موسى .. أعاد القتل على بني إسرائيل عقوبةً لهم، فكان يأمر بقتل الذكور وترك الإناث ليمتنعوا من الإيمان, ولئلا يكثر جمعهم ويشتدّ عضدهم بالذكور من أولادهم، لكن الله شغلهم عن ذلك بما أنزل عليهم من أنواع العذاب، كالضفادع والقمل والدم والطوفان إلى أن خرج بنو إسرائيل من مصر، وإلى هذا أشار سبحانه بقوله: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ} فرعون وقومه أو غيرهم؛ أي (٢): وما مكرهم وسوء صنيعهم بالأنبياء والمؤمنين {إِلَّا فِي ضَلَالٍ}؛ أي: في ضياع وبطلان وخسران لا يغني عنهم شيئًا، وينفذ عليهم لا محالة القدر المقدور والقضاء المحتوم.

وفي "التأويلات النجمية": عزم على إهلاك موسى وقومه، واستعان على ذلك بجنده وخيله ورجله، إتمامًا لاستحقاقهم العذاب، ولكن من حفظ الحق تعالى كان كما قال: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}؛ أي: في ازدياد ضلالتهم بربهم، يشير إلى أن من حفر بئرًا لولي من أوليائه .. ما يقع فيه إلا حافره، وبذلك أجرى الحق سنته. انتهى.


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.