للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم ذكر العلة التي لأجلها أراد أن يقتله، فقال: {إِنِّي أَخَافُ} إن لم أقتله {أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ}؛ أي: أن يغير ما أنتم عليه من الدين الذي هو عبارة عن عبادة فرعون وعبادة الأصنام لتقربهم إليه، ويدخلكم في دينه الذي هو عبادة الله وحده {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ}؛ أي: في أرض مصر {الْفَسَادَ}؛ أي: يوقع بين الناس ما يفسد دنياهم من التخالف والتجارب والتهارج، إن لم يقدر على تبديل دينكم بالكلية.

فمعنى (١): {أو} وقوع أحد الشيئين، جَعَلَ اللعين ظهور ما دعا إليه موسى - عليه الصلاة والسلام - وانتشاره في الأرض واهتداء الناس به فسادًا، وليس الفساد إلا ما هو عليه هو ومن تابعه، وبدأ فرعون بذكر الدين أولًا لأن حبّ الناس لأديانهم فوق حبهم لأموالهم اهـ. "خطيب" وفي الآية إشارة إلى أن فرعون من عمى قلبه ظن أن الله يذره أن يقتل موسى بحوله وقوّته، أو يذره قومه، ولم يعلم أن الله يهلكه ويهلك قومه، وينجي موسى وقومه، وقد خاف من تبديل الدين أو الفساد في الأرض، ولم يخف هلاك نفسه وهلاك قومه وفساد حالهم في الدارين.

والمعنى: أي (٢) إني أخاف أن يفسد موسى عليكم أمر دينكم الذي أنتم عليه من عبادة غير الله سبحانه، ويدخلكم في دينه الذي هو عبادة الله وحده، أو يوقع بين الناس الخلاف والفتنة، إذ يجتمع إليه الهمل الشرد، ويكثرون من الخصومات والمنازعات وإثارة القلاقل والاضطرابات، فتتعطل المزارع والمتاجر، وتعدم المكاسب.

والخلاصة: أنه يقول: إنّي أخاف أن يفسد عليكم أمر دينكم بالتبديل، أو يفسد عليكم أمر دنياكم بالتعطيل، وهما أمران أحلاهما مر.

وقرأ الكوفيون ويعقوب (٣): {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ} بأو التي للإبهام وترديد الخوف بين تبديل الدين وظهور الفساد، وقرأ باقي السبعة {وأن يظهر} بدون ألفٍ، على معنى وقوع الأمرين جميعًا، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: بفتح الياء من {إِنِّي أَخَافُ}، وقرأ أنس بن مالك وابن المسيب ومجاهد وقتادة وأبو رجاء والحسن


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر والشوكاني.