للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في حيّز الترجي، وقرأ الأعرج والسلمي وعيسى بن عمر وحفص وأبو حيوة وزيد بن علي والزعفراني وابن مقسم {فَأَطَّلِعَ} بالنصب على جواب الترجي، كما قاله أبو عبيد وغيره، أو على جواب الأمر في قوله: {ابْنِ لِي صَرْحًا} نظير قوله:

يَا نَاقُ سِيْرِيْ عَنَقًا فَسِيْحَا ... إِلَى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيْحَا

قال النحاس: ومعنى النصب خلاف معنى الرفع, لأنّ معنى النصب متى بلغت الأسباب اطلعت، ومعنى الرفع {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} ولعلي أطلع بذلك، وفي هذا دليل على أنّ فرعون كان بمكان من الجهل عظيم، وبمنزلة من فهم حقائق الأشياء سافلة جدًّا {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ}؛ أي: أظن موسى {كَاذِبًا} في ادعائه بأن له إلهًا، أو فيما يدّعيه من الرسالة.

يقول الفقير: لم يقل: كذّابًا، كما قال عند إرساله إليه لأن القائل هنا هو فرعون وحده وحيث قال كذّاب. رجعت المبالغة إلى فرعون وهامان وقارون، فافهم.

والمعنى: أي وقال فرعون بعد سماعه عظة المؤمن، وتحذيره له من بأس الله إذا كذب بموسى وقتله: يا هامان، ابن لي قصرًا منيفًا عالي الذرا، رفيع العماد، علَّني أبلغ أبواب السماء وطرقها، حتى إذا وصلت إليها .. رأيت إله موسى، ولا يريد بذلك إلا الاستهزاء والتهكُّم وتكذيب دعوى الرسالة من رب السموات والأرض.

والخلاصة: أن هذا نفي لرسالته من عند ربه، ثم أكّد هذا النفي الضمني بالتصريح به بقوله: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} فيما يقول ويدعي من أنّ له في السماء ربًا أرسله إلينا، وقد قال هذا (١) تمويهًا وتلبيسًا على قومه، توصلًا بذلك إلى بقائهم على الكفر، وإلا فهو يعلم أنّ الإله ليس في السماء فحسب، وكأنه يقول: لو كان الإله موجودًا لكان له محل، ومحله إما الأرض، وإما السماء، ولم نره في الأرض فإذًا هو في السماء، والسماء لا يتوصّل إليها إلا بسلّم، فيجب أن يبني الصرح لنصل إليه.


(١) روح البيان.