للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا العرض ما دامت الدنيا {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} وتعود الأرواح إلى الأبدان، يقال للملائكة: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ}؛ أي: فرعون وقومه {أَشَدَّ الْعَذَابِ} وأغلظه؛ أي: عذاب جهنم، فإنه أشد مما كانوا فيه، فإنه للروح والجسد جميعًا، وهو أشد مما كان للروح فقط، كما في البرزخ، وذلك أن الأرواح بعد الموت ليس لها نعيم ولا عذاب حسي جسماني، ولكن ذلك نعيم أو عذاب معنوي روحاني، حتى تبعث أجسادها فترد إليها، فتعذب عنه ذلك حسًا ومعنًى أو تنعم.

ويجوز أن المعنى (١): أدخلوا آل فرعون أشد عذاب جهنم، فإن عذابها ألوان بعضها أشد من بعض، وفي الحديث: "أهون أهل النار عذابًا رجل في رجليه نعلان من نار، يغلي منهما دماغه".

ومعنى الآية (٢): أي تعرض أرواحهم من حين موتهم إلى قيام الساعة على النار بالغداة والعشي، وينفس عنهم فيما بين ذلك، ويدوم هذا إلى يوم القيامة، وحينئذ يقال لخزنة جهنم: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}.

قال بعض العلماء: وفي الآية دليل على عذاب القبر، ويؤيده ما رواه البخاري ومسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أحدكم إذا مات .. عرض عليه مقعده بالغداة والعشي" ... الحديث. كما مر ثم قرأ: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}.

قال العلماء (٣): عذاب القبر هو عذاب البرزخ، أضيف إلى القبر؛ لأنه الغالب، وإلا فكل ميت أراد الله تعذيبه ناله ما أراد به، قبر أو لم يقبر، بأن صلب أو غرق في البحر، أو أحرق حتى صار رمادًا، وذري في الجو، قال إمام الحرمين: من تفرقت أجزاؤه يخلق الله الحياة في بعضها أو كلها، ويوجه السؤال عليها، ومحل العذاب والنعيم؛ أي: في القبر هو: الروح والبدن جميعًا باتفاق أهل السنة، قال اليافعي: وتختص الأرواح دون الأجساد بالنعيم والعذاب ما دامت في علّيين أو سجين، وفي القبر يشترك الروح والجسد.

قال الفقيه أبو الليث: الصحيح عندي أن يقر الإنسان بعذاب القبر ولا يشتغل بكيفيته، وروى ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أحسن محسن مسلم أو كافر ..


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.