{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} جعل البر نفس من آمن على طريق المبالغة، وهذا معهود في كلام البلغاء، كقولهم السَّخاءُ حاتم، والشِّعرُ زهير؛ أي: إن السخاءَ سخاءُ حاتمٍ، والشعرَ شعرُ زهير.
{وَفِي الرِّقَابِ} فيه إيجاز بالحذف؛ أي: وفي فك الرقاب؛ أي: في فداء الأسرى والمكاتبين، وفي لفظ {الرقاب} مجاز مرسل حيث أطلق الرقبة، وأراد به النفس، وهو من إطلاق الجزء وإرادة الكل.
{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ} منصوب على الاختصاص؛ أي: وأخص الصابرين بالذكر، وإنما لم يؤت به مرفوعًا كقوله: والموفون بأن يقال: والصابرون تنبيهًا على فضيلة الصبر، وهو في الحقيقة معطوف على ما قبله من حيث المعنى. قال أبو علي: إذا ذكرت صفات للمدح أو الذم، وخولف الإعراب في بعضها .. فذلك تفنن، ويسمى قطعًا؛ لأن تغيير المألوف يدل على زيادة ترغيب في استماع المذكور، ومزيد اهتمام بشأنه.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا}: مبتدأ وخبر، وأتى بخبر {أُولَئِكَ} الأول موصولًا، وصل بفعل ماضٍ، إشعارًا بتحقق اتصافهم بالصدق، وإن ذلك قد وقع منهم واستقر، وأتى بخبر {أُولَئِكَ} الثاني موصولًا، وصل بجملة اسمية ليدل على الثبوت، وأنه ليس متجددًا، بل صار كالسجية لهم، ومراعاة للفاصلة أيضًا. {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}{الْمُتَّقِينَ} من باب الإلهاب والتهييج.
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} قال أبو السعود: فيه بيان لمحاسن الحكم المذكور على وجه بديع لا تنال غايته، حيث جعل الشيء؛ وهو القصاص محلًّا لضده؛ وهو الحياة، ونكر الحياة ليدل على أن في هذا الجنس نوعًا من الحياة عظيمًا، لا يبلغه الوصف.
وبَيْنَ قوله:{اتباع} و {أداء} وكذا بين قوله: {الحر} و {العبد} الطباق.