للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال جماعة من الصحابة والتابعين: معنى الاستقامة: إخلاص العمل لله، وقال قتادة وابن زيد: ثم استقاموا على طاعة الله. وقال الحسن: استقاموا على أمر الله، فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته، وقال مجاهد وعكرمة: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى ماتوا. وقال الثوري: عملوا على وفاق ما قالوا. وقال الربيع: أعرضوا عما سوى الله. وقال الفضيل بن عياض: زهدوا في الفانية، ورغبوا في الباقية.

{تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} من جهته تعالى، يمدونهم فيما يعرض لهم من الأمور الدينية والدنيوية بما يشرح صدورهم، ويدفع عنهم الخوف والحزن بطريق الإلهام، كما أن الكفرة يمدّهم ما قيّض لهم من قرناء السوء بتزيين القبائح، وكذا تتنزل عند الموت بالبشرى، وفي القبر وعند البعث إذا قاموا من قبورهم، {أنْ} مفسرة، بمعنى؛ أي: أو مخففة من الثقيلة، والأصل: بأنه، و {الهاء}: ضمير الشأن أو المصدرية، ولا على الوجهين الأولين: ناهية، وعلى الثالث: نافية؛ أي: يتنزلون متلبسين بهذه البشارة، وهي {لا تخافوا}، ما تقدمون عليه من أمر الآخرة، فلا ترون مكروهًا فإن الخوف غم يلحق الإنسان لتوقع المكروه {وَلَا تَحْزَنُوا} على ما خلفتم من أهل وولد، فإن الله تعالى يخلفكم عليهم بخير، ويعطيكم في الجنة أكثر من ذلك وأحسن، ويجمع بينكم وبين أهليكم وأولادكم المسلمين في الجنة، فإن الحزن غم يلحق من فوات نافع أو حصول ضار. وفي قراءة عبد الله: {لا تخافوا} بإسقاط {أنْ}؛ أي: تتنزل عليهم الملائكة قائلين: {لا تخافوا ولا تحزنوا}. وفي "التأويلات النجمية": الخوف (١) إنما يكون في المستقبل من الوقت، وهو بحلول مكروه أو فوات محبوب، والملائكة يبشرونهم بأن كل مطلوب لهم سيكون، وكل محذور لهم لا يكون، والحزن من حزونة الوقت، والذي هو راض بجميع ما يجري مستسلم للأحكام الأزلية، فلا حزونة في عيشه، بل من يكون قائمًا بالله، وهائمًا في الله، دائمًا على الله، لا يدركه الخوف والحزن، والملائكة يبشرونهم أن لا تخافوا ولا تحزنوا على فوات العناية في السابقة. انتهى.

وقال مجاهد (٢): لا تخافوا الموت ولا تحزنوا على أولادكم، فإن الله


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.