للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقتضيه السياق، و {الفاء}: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أمن يلحد في آياتنا خير أم من يؤمن بها خير؟ فمن يلقي بإلحاده في النار على وجهه وهم الكفرة بأنواعهم خير، {أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا} بإيمانه من النار {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وهو المؤمنون على طبقاتهم؛ يعني: أن الثاني في المعطوف والمعطوف عليه خير من الأولى. وقابل الإلقاء (١) في النار بالاتيان {آمِنًا} مبالغة في مدح حال المؤمنين بالتنصيص على أنهم آمنون يوم القيامة من جميع المخاوف، فلو قال: أم من يدخل الجنة .. لجاز من طريق الاحتمال أن يبدلهم الله من بعد خوفهم أمنًا. ولك أن تقول: في الآية احتباك، حذف من الأول مقابل الثاني، ومن الثاني مقابل الأول، والتقدير: أفمن يأتي خائفًا ويلقى في النار خير أم من يأتي آمنًا ويدخل الجنة؛ يعني: أن الثاني خير من الأول.

والغرض من هذا الاستفهام (٢): التنبيه على أن الملحدين في الآيات يلقون في النار، وأن المؤمنين بالآيات يأتون آمنين يوم القيامة، حين يجمع الله تعالى عباده للعرض عليه للحكم بينهم بالعدل. اهـ "خطيب". وترسم {أَمْ} مفصولةً مِنْ مَنْ اتباعًا لمصحف الإِمام، كما ذكره شيخ الإِسلام في "شرح الجزرية".

ومعنى الآية: أفمن يلقى في النار لإلحاده بالآيات وتكذيبه للرسل، خير أم من آمن بها وجاء يوم القيامة من الآمنين، حين يجمع الله العباد للمجازاة، لا شكّ أنهما لا يستويان.

وظاهر الآية: العموم، وتمثيل حال المؤمن والكافر. وقيل: المراد بـ {مَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ}: أبو جهل، وبـ {مَنْ يَأْتِي آمِنًا}: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: حمزة، وقيل: عمر بن الخطاب، وقيل: أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وحملها على العموم أولى، اعتبارًا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وبعد أن أبان لهم عاقبة الملحدين بالآيات والمؤمنين بها .. هدَّدهم بقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} من الأعمال المؤدّية إلى ما ذكر من الإلقاء في النار، والاتيان آمنًا، وآثروا ما شئتم، فقد علمتم مصير المسيء والمحسن، ولا تضرّون إلا


(١) روح البيان.
(٢) الفتوحات.