للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فائدتان: رياضة الإنسان نفسه عما تدعوه إليه من الشهوات، والاقتداء بالملأ الأعلى على قدر الوسع.

وقيل (١): إن صيام شهر رمضان كان واجبًا على النصارى كما فرض علينا، فصاموا رمضان زمانًا، فربما وقع في الحر الشديد والبرد الشديد، وكان يشق ذلك عليهم في أسفارهم ويضرهم في معايشهم، فاجتمع رأي علمائهم ورؤسائهم أن يجعلوه في فصل من السنة معتدل بين الصيف والشتاء، فجعلوه في فصل الربيع، ثم زادوا فيه عشرة أيام كفارةً لما صنعوا، فصاموا أربعين يومًا، ثم بعد زمان اشتكى ملكهم فمه، فجعل لله عليه إن هو برأ من وجعه أن يزيد في صومهم أسبوعًا، فبرأ، فزاد فيه أسبوعًا، ثم مات ذلك الملك بعد زمان ووليهم ملك آخر، فقال: ما شأن هذه الثلاثة أيام؟ أتموها خمسين يومًا، فأتموه، وقيل: أصابهم موتان، فقالوا: زيدوا في صيامكم، فزادوا عشرًا قبله وعشرًا بعده.

وقيل: كان النصارى أولًا يصومون، فإذا أفطروا فلا يأكلون ولا يشربون ولا يطؤون إذا ناموا ثم انتبهوا، وكان ذلك في أول الإِسلام، ثم نسخ بسبب عمر وقيس بن صرمة كما مر. واختلف (٢) المفسرون في وجه التشبيه ما هو، فقيل: هو قدر الصوم ووقته، فإن الله كتب على اليهود والنصارى صوم رمضان، فغيروا، وقيل: هو الوجوب فإن الله وجب على الأمم الصيام، وقيل: هو الصفة؛ أي: ترك الأكل والشرب، ونحوهما في وقت، فعلى الأول معناه: أن الله كتب على هذه الأمة صوم رمضان كما كتبه على الذين من قبلهم، وعلى الثاني: أن الله أوجب على هذه الأمة الصيام كما أوجبه على الذين من قبلهم وعلى الثالث: أن الله سبحانه أوجب على هذه الأمة الإمساك عن المفطرات كما أوجبه على الذين من قبلهم.

{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ أي: لكي تخافون عقاب الله بصومكم وترككم للشهوات، فالرغبة في المطعوم والمنكوح أشد من الرغبة في غيرهما، والاتقاء


(١) خازن.
(٢) شوكاني.