للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إليه {كَمَا أُمِرْتَ} وأوحي إليك من عند الله تعالى، والمراد: الثبات والدوام عليهما؛ لأنه كان مستقيمًا في هذا المعنى؛ أي: واثبت أنت ومن اتبعك على عبادة الله كما أمركم {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}؛ أي: ولا تتبع أيها الرسول أهواءهم المختلفة الباطلة، والضمير للمشركين، وكانوا يهوون أن يعظم عليه السلام آلهتهم وغير ذلك، أو للذين شكوا في الحق الذي شرعه الله لكم، من الذين أورثوا الكتاب من قبلكم، فتشكوا فيه كما شكوا؛ أي (١): فلأجل ما حدث من الاختلافات الكثيرة في الدين، فادع الناس كافة إلى الاتفاق على الملة الإسلامية، واستقم عليها وعلى الدعوة إليها، كما أمرك الله تعالى، ولا تتبع أهواءهم المختلفة.

{وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} أي كتاب كان من الكتب المنزلة، لا كالذين آمنوا ببعض منها وكفروا ببعض، وذلك لأن كلمة {ما} من ألفاظ العموم؛ أي: وقل لهم يا محمد: صدقت بجميع الكتب المنزلة على الأنبياء، من التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، لا أكذب بشيء منها، وفي هذا (٢) تعريض بأهل الكتاب، إذ صدقوا ببعض وكفروا ببعض، وتأليف لقلوبهم إذ آمن بما آمنوا به.

والمعنى: وقيل لهم يا محمد: آمنت بما أنزل الله على الأنبياء، من كتاب صح أن الله أنزله، وهو الإيمان بجميع الكتب المنزلة؛ لأنّ المتفرقين آمنوا ببعض منها، وكفروا ببعض {وَأُمِرْتُ} بذلك الذي أمرت به {لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}؛ أي: لكي أعدل وأسوي بينكم؛ أي: بين شريفكم ووضيعكم في تبليغ الشرائع، وفي الحكم، وفصل القضايا بينكم، عند المحاكمة والمرافعة إليّ، فاللام لام كي، والمأمور به محذوف، كما قدرناه. وقيل: اللام بمعنى الباء؛ أي: وأمرت بأن أعدل بينكم في الحكم، إذا تخاصمتم فتحاكمتم إليّ، وأسوي بين أكابركم وأصاغركم، فيما يتعلق بحكم الله تعالى، فلا أخصّ البعض بأمر أو نهي، وقيل: اللام زائدة.


(١) المراح.
(٢) المراغي.