للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (١) فيما سبق، أنه أنزل عليهم الكتاب المشتمل على الدلائل الموصلة إلى السعادة، وأن المتفرقين في الدين، استوجبوا شديد العذاب، لكنه أخره إلى يوم معلوم .. أرشد هنا إلى أن ذلك من لطف الله بعباده، ولو شاء لجعلهم في عماية من أمرهم، وتركهم في ضلالهم يعمهون، ولو شاء لعجل لهم العذاب. ثم بين أن من يعمل للآخرة يرجو ثوابها .. يضاعف له فيها الجزاء إلى سبع مئة ضعف، ومن يعمل للدنيا وجلب لذاتها .. يؤته ما يريد، وليس له في الآخرة نصيب من نعيمها، ثم أعقب هذا، بذكر ما وسوست به الشياطين للمشركين، وزينت لهم به، من الشرك بالله وإنكار البعث، إلى نحو ذلك. ثم بين أنهم كانوا يستحقون العذاب العاجل على ذلك، لكنه أجله لما سبق في علمه، من أنظارهم إلى يوم معلوم، ثم ذكر مآل كل من الكافرين والمؤمنين يوم القيامة، فالأولون خائفون، وجلون من جزاء ما عملوا، والآخرون مترفون منعمون.

قوله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر في الآيات السالفة، أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يتمتعون بالنعيم في روضات الجنات، وأنه يعطيهم من فضله ما فيه قرة أعينهم، رحمة من لدنه .. ذكر هنا أن ذلك كائن لهم لا محالة، ببشارة منه لهم، ثم أعقب هذا، بأن أمر رسوله بأن يقول لهم: إنه لا يسألهم على هذا البلاغ والنصح أجرًا، وإنما يطلب منهم التقرب إلى الله وحسن طاعته، ثم رد عليهم قولهم: أن القرآن مفترى، بأنه لا يفتري الكذب على الله إلا من كان مختومًا على قلبه، ومن سنن الله تعالى إبطال الباطل ونصرة الحق، فلو كان محمد - صلى الله عليه وسلم - كذابًا مفتريًا، لفضحه وكشف باطله، ولكن أيده بالنصر والقوة، ثم ندبهم إلى التوبة مما نسبوه إلى رسوله من افترائه القرآن، ثم وعد المؤمنين بأنه يجيب دعاءهم إذا هم دعوه ويزيدهم من نعمه، وأوعد الكافرين بشديد العقاب، كفاء ما اجترحوا من الشرور والآثام.


(١) المراغي.